لبنان الرسالة كما وصفه البابا الراحل يوحنا بولس الثاني، بل لبنان الضرورة، كما اعتبره أصلاء العرب، لم يعد كذلك كما يبدو، بالنسبة الى بعض بنيه، أو بالأحرى الى بعض زعمائه، ممن بنوا زعامتهم الشعبية على القوة والعصبية، لا على المشاعر والأحاسيس.
والدليل فيما نرى ونشهد، فرئاسة الجمهورية بلا رئيس، ومجلس نواب يعيش على اوكسيجين التمديد، وحكومة المصلحة الوطنية، تحاول سدّ فراغ الغائبين، بالحدّ الممكن من الامكانيات السياسية والدستورية…
الانتخابات الرئاسية أسيرة التسويات الخارجية، التي تنطلق اقليمياً من طهران لتمرّ في بغداد ومنها الى دمشق وعبرها الى مجلس ساحة النجمة.
ومجلس النواب حائر بين التمديد الذي يتمناه الجميع ولا يريد أن يجاهر بتمنياته فيه أحد، وبين اجراء انتخابات نيابية، يعيقها عيب دستوري يتمثّل في شكلية توقيع مرسوم دعوة الهيئة الناخبة، بعد يوم واحد من سريان المهلة المطلوبة!
يضاف الى هذا، استياء رئيس المجلس من تواضع انتاجيته، وهذا ما يبرّر به موقفه المعلن ضد التمديد، يقابله قلق فريق ١٤ آذار ووسطيي النائب وليد جنبلاط، من انتخابات نيابية، بغياب رئيس الجمهورية، تصل في النهاية الى اضافة مقعد للحكومة في دوامة الفراغ الدستوري.
المستقبل، واللقاء الديمقراطي، مع تمديد الضرورة، برغم التفاوت في تقدير المدة المطلوبة، المستقبل لا يأبه للمدة مهما طالت، طالما انها ضمن شروطه اتباع التمديد بانتخاب الرئيس، ومن ثم تشكيل حكومة جديدة، تصوغ قانون انتخاب جديدا، وتحل المجلس الممدّد له، وتشرف على انتخابات نيابية جديدة…
السيناريو عينه يراه النائب جنبلاط، مع مهلة تمديد أقصر، كي تفرض انتخاب رئيس بوقت أسرع…
من سابع المستحيلات اجراء انتخابات نيابية قبل الانتخابات الرئاسية، كما يطالب العماد عون، الطامح لزيادة رصيده النيابي في البرلمان الجديد، تعزيزاً لفرصة وصوله الى القصر الجمهوري في بعبدا، ففي هذه الحالة نصل الى الفراغ الحكومي المحتوم، بحكم غياب رئيس يقبل استقالة الحكومة الحاضرة، ويكلف من ترشحه الاستشارات اللاحقة بتشكيل الحكومة الجديدة.
والجميع يدرك هذه الحقيقة، من الرئيس نبيه بري الى حزب الله الى العماد ميشال عون، لكن من الواضح والجلي ان العين بصيرة، واليد قصيرة، وفي الوقت الضائع، يضطر اللاعبون الى المراوغة، لذلك نرى أن الرئيس بري الغاضب لضعف انتاجية المجلس، يختلف مع العماد عون في امور كثيرة لكنهما يلتقيان عند الدعوة للانتخابات النيابية أولاً، رغم قناعته بعدم ملاءمة الظروف الأمنية لاجراء انتخابات الآن، بدليل الغائه الاحتفال السنوي بذكرى غياب الامام موسى الصدر، تحسباً لتلك الظروف…
والمسألة بالنسبة الى العماد ميشال عون، أقل تعقيداً، فانطلاقاً من قناعته بأنه الأقوى مسيحياً، وبالتالي صاحب الحق الحصري برئاسة الجمهورية هذه الدورة، فهو مستعد لنسيان طرح الانتخابات النيابية أولاً، ولدفن نظرية انتخاب رئيس الجمهورية من الشعب مباشرة، اذا ما وافق فريق ١٤ آذار على اعتباره رجل المرحلة بلا منازع. لكن المشكلة بالنسبة الى العماد عون المرشح للرئاسة، ليست عند الخصوم وحسب، انما ايضا، وقبل كل شيء عند الحلفاء، وعلى رأسهم حزب الله، الذي ما زال امينه العام السيد حسن نصرالله، ينصح مراجعيه رئاسياً بالوقوف على خاطر العماد عون، من دون ان يتبنى ترشيحه او حتى يذكره بالاسم.
وحجة الحزب وفريق الثامن من آذار، ان عون لم يعلن ترشيحه رسمياً بعد، وانهم لا يريدون ارتكاب الفاول الجنبلاطي، بتسمية النائب هنري حلو، واذا اشرت الى تبني ١٤ آذار لترشيح الدكتور سمير جعجع يقولون ان جعجع كان مرشحاً، ولا يزال، بينما يريد عون الرئاسة مجدولة بذهب التزكية…
هذا الانتظار اللامتناهي بين العماد عون وحلفائه، كان لا بد من ان يصل بالطرفين الى جدار المصارحة والعتاب. ومن قرأ نداء التغيير والاصلاح الذي تلاه الوزير جبران باسيل بعد اجتماع التكتل هذا الاسبوع، لاحظ ان باسيل كان يخاطب الكنة لتسمع الجارة، عندما دعا الحلفاء الى استعادة روح المبادرة، والى ان يكونوا خفراً لبلدهم وانصاراً لجيشهم وان يشنقوا اصنامهم في الطرقات… ليصل الى الحديث عن تفريغ وتصفية وظائف المسيحيين في لبنان، تلك التصفية التي تمر بالموصل وكسب وبعبدا…
واستنتج مصدر وزاري من اطلالة باسيل التغييرية عصر الاربعاء أمرين: تسلمه عصا الجنرالية من قائد التيار، حسماً للإرث السياسي، وللجدل الدائر حوله، وفي هذا تسليم آخر ضمنياً، بأن الحالة الصحية للجنرال، تتطلب منه بذل جهد سياسي أقل…
فضلاً عن كل ذلك، من اين للبرق أن يلمع من دون سحب داكنة؟