ليست عرسال نسخة من بوسطة عين الرمانة التي اخذت لبنان الى الحروب عشرين عاماً بل هي أكثر من ذلك بكثير، لأن لبنان كله بات اشبه ببوسطة قد تسقط في أتون الحروب المذهبية التكفيرية المتوحشة، التي تحرق المنطقة، التي أعيدت ١٤٠٠ عام الى الوراء.
لا يحتاج الجيش الى بيانات التأييد ولا تحتاج عرسال الى الانشاء الفارغ، ومن السخف الحديث عن تحرك خارجي في اتجاه دول لها تأثير على تلك التنظيمات التكفيرية الارهابية، التي لا تريد هدم المنطقة على رؤوس حكوماتها فحسب بل وصلت بها الهمجية حد التهديد بهدم الكعبة!
لست ادري اذا كان من الممكن ان يستعيد اللبنانيون المنقسمون على حد السكاكين المذهبية الوعي الوطني، تحت وطأة النار في عرسال وتحت عسيس الكراهيات في مناطق لبنانية اخرى، وخصوصاً في ظل الحرائق المستعرّة في المنطقة على أسس مذهبية.
لكنني أخشى من ان تتحول عرسال جرحاً أخطر من مشكلة نهر البارد، لأن الظروف مختلفة بين شاكر العبسي حصان طروادة الارهابي للنظام السوري آنذاك، وبين “داعش” و”النصرة” اللتين تقاتلان من الموصل الى عرسال، بينما يتفرج العالم الذي استولدهما من وحشية النظامين السوري والعراقي!
ان مصير لبنان كله على المحك، لأنه مخطوف منذ زمن قبل ان يخطف الارهابيون عرسال، انه مخطوف على أيدي احزابه وسياسييه الذين استجلبوا النار السورية اليه، وقد تركوا الحدود سائبة تعبرها أوهام مراهناتهم جميعاً على صراعات الاقليم المشتعل وعلى استراتيجيات لا تنتج سوى الدمار والمآسي!
عندما يكون مصير لبنان على المحك والوضع اخطر مما يتصور الكثيرون، يصبح كل حديث عن اتفاق لوقف للنار بين الجيش والارهابيين التدميريين، معبراً الى استنساخ مسلسل من الاعتداءات، وخصوصاً في ظل التأكيد ان ما جرى لم يكن رداً على اعتقال الارهابي عماد جمعة، بل خطة مدبرة هدفها اقامة “أمارة عرسال” كامتداد للدولة الاسلامية، وهو ما يزج لبنان في أتون الصراع الذي لم نتداركه منذ اربعة اعوام عندما تركنا الحدود سائبة امام النار السورية.
وعرسال التي استضافت اللاجئين السوريين وقعت اسيرة أعداد منهم تبين أنهم من العناصر الارهابية النائمة قامت بمناصرة الارهابيين، تقدم الآن درساً الى كل المناطق اللبنانية التي استضافت حتى الآن اكثر من مليوني لاجئ سوري فافتحوا عيونكم!
وعندما يقول الجيش ان الحل لا يكون إلا بالقضاء على الارهاب، وان الضريبة التي يدفعها الجيش قليلة نسبة الى ما قد يدفعه لبنان اذا لم يتم ضرب الارهابيين، فأن على السياسيين الذين جعلوا الدولة رهينة بلا رأس ان يحسوا بالنار تحت اقدامهم، وعلى اللبنانيين ان يتذكروا ان الهوية الوطنية هي التي تحميهم اكثر من المذهب المدوّن عليها!