لبنان الهش على إيقاع التداعيات العراقية
تخوف من عرقلة الحكومة واهتزاز الأمن
سرقت التطورات الدراماتيكية العراقية كل الاهتمام السياسي وحتى الشعبي. في ذلك بعض من تعاطف مع العراقيين في مآسيهم المتناسلة، والكثير من المخاوف على لبنان وواقعه الهش وسلمه الاكثر هشاشة. فالمأساة العراقية اشبه بجبل ثلجي يطيح بانهياره، ليس فقط العراق ومنظوماته الامنية والسياسية والاقتصادية وحتى الاجتماعية، انما يشرّع الابواب على تداعيات تطال كل دول الجوار. فما يحدث في العراق يعيد الامور الى نقطة الصفر في الامن والاستقرار في بلاد الرافدين. وهو ببداهة، يسمح بالتساؤل عن الاصفار التي ستعود كل المنطقة للانطلاق منها في تلمس غدها كما رسم سياساتها وخارطة تحالفاتها.
ولان لبنان يقيم في منزلة غير محددة بين منزلتي الانفراج والانفجار، فان سياسييه كانوا من المتابعين للتطورات العراقية، على اعتبار انه من غير الممكن الا يكون لها تداعيات على هذا البلد الصغير.
يتخوف ديبلوماسي سابق من ان «نكون دخلنا في اخطر مرحلة من مراحل اعادة رسم الجغرافية السياسية للمنطقة. وفق المعطيات الاولية فان الامور تتجه الى توسيع مسرح العمليات العسكرية وجعلها جبهة واحدة من العراق الى سوريا ومنها، لا سمح الله، الى لبنان. فالحدود متهالكة بين هذه الدول، والارضية الطائفية والمذهبية محضّرة، وقد اكتملت كل الادوات والمناخات لتحويل المنطقة الى ما يشبه افغانستان». لا يدخل الديبلوماسي في إلقاء التهم وتحميل المسؤوليات، على عكس ما يفعل سياسيون لبنانيون سواء في «8 او 14 آذار». لكنه يسعى، على ما يقول، الى تصوير «المشهد بواقعيته ومحاولة قراءة او تلمس تطوراته المقبلة». يضيف «من بديهيات الامور ان يرتفع مستوى التعاون والتنسيق بين جارتي العراق، اي ايران وسوريا. وان تعيد الجارة الثالثة تركيا بعضا من حساباتها بعد ان صارت «داعش» على بابين من ابوابها. كما ان دول العالم، وفي طليعتها الولايات المتحدة الاميركية ستعيد مقاربة استراتيجياتها في كيفية التعاطي مع موضوع مكافحة الارهاب، وتحديدا في الواقع العراقي، واستطرادا السوري. فالعين الاميركية لا بد انها تلتقط اوجه التشابه بين واقع البلدين الجارين: دولة تتفكك وتتقطع اوصالها. ازمة النظام التي يتفرع منها اشكالية وشرعية وتمثيل الرئيس الحاكم. محاولات انشاء دولة اسلامية، والارهاب المتزايد وهو الاكثر مدعاة للقلق».
يتابع الديبلوماسي «اللافت للانتباه ان الولايات المتحدة التي تبدو متراخية في الموضوع السوري وحاولت على امتداد سنوات تجنب ما امكنها التورط الجدي في ازمتها، سارعت الى الاهتمام بالموضوع العراقي ودرس خياراتها المتوافرة. ومن الرئيس اوباما الى وزير الخارجية جون كيري، كان الكلام واضحا في ان الولايات المتحدة لن تقف على الحياد. اما ما تريد الحصول عليه في المقابل، اضافة الى حفظ مصالحها الاقتصادية والامنية، فيتراوح ما بين الشروط التي ستفرض على المالكي وصولا الى تحويل العراق ورقة تفاوضية اساسية مع ايران».
العراق اليوم، واقعا لا تشبيها، ورقة خريفية يتيمة مسلوخة من شجرة ومتروكة لقدرها في مواجهة رياح عاتية تعصف بها من كل صوب. ورقة تكاد تتحلل، فيما يحاول كثر تناتشها. ينظر السياسيون اللبنانيون الى هشاشة الورقة العراقية ويخافون على لبنان. صحيح ان لا احد منهم يبادر الى خطوات شجاعة تحسبا للعواصف الآتية. لكنهم جميعا متهيبون للمخاطر والتداعيات، مع حسابات صغيرة في الربح والخسارة، على قدر آفاقهم الضيقة.
يتفق سياسيو «8 و14 آذار» على ان التطورات العراقية ستنتج تطورات مختلفة لبنانيا. يؤكد احد نواب «14 آذار» ان الفريق الخصم «فوّت علينا فرصة انتخاب رئيس للجمهورية في زمن الحد الادنى من الاستقرار والتوافقات الدولية. فكيف ستكون حالنا اليوم بعد ان يتراجع اهتمام الدول بأزماتنا الى حدوده الدنيا؟». يرجح النائب ان «حزب الله سيصبح اكثر تشددا في القضايا الداخلية، وعلى الارجح سيصعّد في كل الملفات ويصعّب عمل الحكومة».
في المقابل يتخوف احد نواب «8 آذار» من ان «تعيد التطورات العراقية خلط الاوراق على الحدود او ايقاظ بعض الخلايا النائمة، فيهتز الامن مجددا من بوابات متعددة».
يجمع الخوف السياسيين اللبنانيين. ليس الخوف على البلد وانفراط عقده السياسي والاجتماعي وانهيار اقتصاده. ولا هو الخوف على مفاهيم الحياة وثقافتها المتصدعة واولويات قيمها المهددة لتكوين البلد. الخوف الذي يجمع السياسيين هو من بعضهم البعض وعلى مواقع سلطتهم وتقاسم نفوذهم.