تتنافس الأزمات المعيشية مع الأزمات السياسية في الساحة الداخلية، حيث ينعكس الفراغ الرئاسي وتعطيل مجلس النواب، وتدني مستوى الانسجام الحكومي، سلباً على هيبة الدولة ودورها، في حين تتفاقم أزمة العسكريين المحتجزين لدى الجماعات الإرهابية، والانقسام الحاصل حول تحريرهم بأي ثمن، أم الالتزام بقوالب خشبية، وتحالفات إقليمية، دفعت بالبعض إلى تحويل هذا الملف الوطني بامتياز إلى ملفات طائفية، تضعف الجبهة الداخلية، وتدخل البلاد في نفق الفتن الطويل.
وعلى جانب آخر، تتعدّد الاحتجاجات الشعبية طارحة المطالب الحياتية الملحة، من كهرباء هجرت مناطق مهمشة بشكل نهائي، وقاطعت العاصمة وضواحيها لساعات طويلة ومديدة.. إلى مطالبة الأهالي المفجوعين والغاضبين الدولة بتحمل مسؤولياتها وتأمين عودة أبنائها سالمين مهما كان الثمن، اسوة بالجهود التي بُذلت سابقاً، وأدّت إلى تحرير محتجزي أعزاز لدى الجماعات الإرهابية في سوريا.. حفاظاً على ما تبقى من إيمان بهذا الوطن وبمؤسسته العسكرية، والتي تعتبر حتى اليوم المحطة المنيرة على خارطة وطن مظلمة، تتوحد حولها مختلف التيارات والأطياف، في وقت قَلّتْ القضايا الجامعة وسط بحر هائج من الانقسامات العامودية والخلافات الجذرية! فباتت الطرقات مستباحة للتعبير عن السخط والغضب، تُقطع كما يحلو للبعض، وتُفتح حسب المونة… واللبناني عالق بين عجز دولته عن حمايته، وتأمين الحد الأدنى من الحياة الطبيعية في وطن غير طبيعي.. وبين عجزه عن تأمين عيشه، وسط هذه الضغوط ، لا بل اضطراره لتأمين حتى أمنه الذاتي، في وطن أثبتت الأحداث أن حدوده المتفلتة أدت إلى أمن مفقود، واضعة شرارة الفتن رهن الأهواء الداخلية، والإشارات الخارجية.
من هنا أهمية تماسك الحكومة وتأمين الغطاء السياسي لتنفيذ قراراتها، بالتطويع وزيادة العديد للجيش والقوى الأمنية، خاصة في ظل توفّر الهبات، حيث تحتم الحاجة الوطنية، الإسراع بالاستفادة منها قبل أن يفوت أوانها، وحتى لا تتفاقم المشاكل الأمنية بشكل غير قابل للعلاج!
إن العجز الداخلي، عن مقاربة هذه الملفات الساخنة، والضعف في محاربة الإرهاب، لا يلغي مسؤولية المجتمع الدولي في الحفاظ على الأمن الإقليمي، والثمن الغالي الذي تدفعه دول الشرق الأوسط، من دماء وخراب، بسبب تردّد دول القرار في التصدّي للإرهاب، ووضع حدّ لانتشاره في أراضٍ، هي أصلاً خصبة للفتن الطائفية والحروب الأهلية العبثية!
فهل يُتخذ القرار الدولي بالوقت المناسب أم أن الأمل الوحيد لهذه الشعوب التي أنهكها الجهل والفقر والحرمان في أن ينقلب السحر على الساحر، وتصبح الحرب على الإرهاب، مصلحة دولية عليا؟