بدا لبنان أمس على مشارف العودة الى أخطار الاستباحة الارهابية في ظل يوم محموم من الاستنفارات الامنية واوسع عمليات التعقب والتوقيفات والاجراءات المشددة التي واكبت تفجيرا انتحاريا في ضهر البيدر بعد ساعات قليلة من انطلاق عملية التعقبات في بيروت والغاء مهرجان المخاتير في الاونيسكو كانت حركة “أمل” دعت اليه بناء على اخطار امني في اللحظة الاخيرة.
ومع ذلك اسفر اليوم المحموم عن معطيات اعادت تصويب الذعر الواسع الذي عم البلاد في الاختراق الامني الاخطر منذ تأليف الحكومة الحالية والذي قد يكون من أضراره المباشرة تزامن التطورات التي حصلت مع بدء موسم الاصطياف والاقتراب من شهر رمضان بما ينعكس سلبا على موسم سياحي كانت طلائعه مبشرة. واذا كانت المعلومات المستقاة من المراجع الوزارية والامنية المختصة اجمعت على ان التهديد الارهابي بتفجيرات وضع مختلف الاجهزة الامنية امام سباق محموم مع الوقت، مما استدعى اطلاق حملة التعقبات ومحاصرة احياء عدة في منطقة الحمراء ودهم فندق “نابوليون” وتوقيف العشرات من نزلائه وسواهم في احياء اخرى فان ما استرعى انتباه المراقبين ان التفجير الانتحاري عند حاجز قوى الامن الداخلي في ضهر البيدر أثار التباسا حول هدفه الحقيقي الامر الذي ادى الى تضارب في التقديرات والمعلومات بين قوى الامن الداخلي والامن العام بعدما تبين ان المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم كان متوجها الى البقاع لحظة حصول التفجير الذي أدى الى استشهاد المؤهل أول محمود جمال الدين واصابة 33 شخصا بجروح بينهم سبعة من أفراد قوى الامن الداخلي.
وكانت الاجهزة الامنية رصدت سيارة الانتحاري أولا على طريق صوفر الداخلية متجهة الى بحمدون ولدى محاولة قوى الامن توقيفها فر السائق عائدا في اتجاه البقاع حيث حاول افراد حاجز قوى الامن في ضهر البيدر توقيفه، فبادر الى تفجير السيارة. وذكر ان التفجير حصل قبل دقائق من وصول موكب اللواء ابرهيم الى المنطقة وقد تفقد مكان التفجير. واذ لم يستبعد ابرهيم أولاً أن يكون هو المستهدف فان المعلومات التي وزعتها قوى الامن الداخلي لم تشر الى ان التفجير استهدف شخصية محددة. وأعلنت مجموعة ” ولواء احرار السنة – بعلبك” مسؤوليتها عن التفجير لاحقا عبر حساب لها في موقع “تويتر” قائلة انها “لم تتمكن من الوصول الى الهدف اليوم ولكن سنتمكن منه لاحقا ” من غير ان تسمي هذا الهدف.
وعلمت “النهار” ان وزير الداخلية نهاد المشنوق أفاد خلال الاجتماع الامني الطارىء الذي عقد في السرايا بدعوة من رئيس مجلس الوزراء تمام سلام ان لا معلومات حاسمة حتى الان عما حصل امس وقد انتهت حملة الدهم في بيروت بتوقيف اربعة من المشتبه فيهم على ذمة التحقيق، فيما ترك 98 شخصا لم يثبت ان لهم علاقة بما جرى. ودعا الى عدم الاسراع في الاستنتاجات ولا بد من انتظار اكتمال التحقيقات ليبنى على الشيء مقتضاه. وشكر الله على ان ما جرى أمس كان محدوداً جدا نتيجة وقوع لبنان على خط الزلازل السياسية والحرائق الامنية ومع ذلك فان الوضع الداخلي متماسك مما يطرح السؤال عما اذا كانت الطبقة السياسية ستتجاوز خلافاتها لتنظر الى الامام؟ ولفت وزير الداخلية الى ان هناك ثلاث نقاط ضعف يجري العمل على معالجتها هي: سجن رومية، مخيم عين الحلوة وجرود عرسال، وذلك في اطار الحرب الوقائية. وشدد على ضرورة المضي قدما في تطبيق الخطة الامنية، الامر الذي شجع عليه الرئيس سلام منوها بعمل الاجهزة الامنية ووزير الداخلية.
وعلمت “النهار” ان الاجتماع الامني شهد عرضا تفصيليا للمعلومات التي توافرت لدى الاجهزة الامنية عن مخطط ارهابي لتفجيرات علما ان هذه المعلومات تبلغتها جهات لبنانية معنية من اجهزة امنية غربية وقد تم التأكد من وجود سيارات مفخخة في البلاد بما لا يمكن معه التعامل مع هذه المعلومات الا بكثير من الجدية والحزم وان تكن التوقيفات التي حصلت في منطقة الحمراء شملت عددا كبيرا من الاشخاص الذين لم يثبت ان لهم اي علاقة بأي نشاط مشبوه فيه بينهم اشخاص مشاركون في المؤتمر القومي العربي. وقد بقي عدد ضئيل من الموقوفين قيد التحقيق. وانتقد قائد الجيش العماد جان قهوجي ما وصفه بالتضخيم لاحداث البارحة، مشددا على “ان الوضع الامني ممسوك والقوى الامنية تقوم بعملها ولا تنسوا أن المنطقة خربانة ونحن بألف نعيم”. اما اللواء ابرهيم، فلم يستبعد ان يكون استهدف بالتفجير، معتبرا ان “كل الاحداث مترابطة “. وأفضى الاجتماع الى سلسلة قرارات من أبرزها تعزيز الحماية وتشديد الاجراءات الاحترازية على كل المراكز الامنية والحواجز والمقار الرسمية والتنسيق التام بين الاجهزة الامنية والحؤول دون تضارب معطياتها والمضي في تنفيذ الخطة الامنية.
وابدى رئيس مجلس النواب نبيه بري الذي كان تبلغ من الوزير المشنوق صباح أمس المعلومات الامنية عن امكان حصول استهداف لمؤتمر الاونيسكو والذي كان مرجحا ان يحضره شخصيا، ارتياحه الى خطوة وزير الداخلية وطلبه تأجيل المؤتمر. وأوضح بري لـ”النهار” ان الخوف كان من امكان ان يتسلل اشخاص الى المؤتمر ويفجروا أنفسهم بين المشاركين “ولبنان لا يستطيع تحمل هذه الكارثة لو وقعت لا سمح الله”.
مجلس الوزراء
الى ذلك، علمت “النهار” ان الرئيس سلام سيوجه بعد غد الاثنين دعوة الى مجلس الوزراء تعقد الخميس المقبل، ملتزما مهلة 72 ساعة بين توجيه الدعوة وانعقاد الجلسة. وقد حرص على عقد اجتماع امني أمس بدل مجلس الدفاع الاعلى الذي تعود رئاسته الى رئيس الجمهورية الذي يملك صلاحية دعوته الى الاجتماع.
وفي هذا السياق صرّح وزير العمل سجعان قزي لـ”النهار” أمس: “ان المهم ان تصب جلسات الحكومة ومجلس النواب في خانة انتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي من دونه تصبح كل المشاريع حبراً على ورق”.
الحريري وجنبلاط
وسط هذه الاجواء التقى ليل أمس في باريس الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط في دارة الحريري وفي حضور الوزير وائل أبو فاعور ومدير مكتب الحريري السيد نادر الحريري. وافاد المكتب الاعلامي للحريري ان اللقاء تناول آخر التطورات على الصعيدين المحلي والاقليمي، ثم استكمل البحث الى عشاء.