أدلى كل من الفرقاء اللبنانيين بدلوه في اليوم الرئاسي التجريبي أمس، من دون أن يتمكن البرلمان من اختيار رئيس جديد في الدورة الأولى من الاقتراع، والتي تتطلب حصول المرشح على ثلثي الأصوات، أو اختبار قدرة أي من المرشحين على الحصول على النصف زائد واحداً في الدورة الثانية، بعدما أفقد نواب «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي بزعامة العماد ميشال عون وكتلة نواب «حزب الله» وبعض حلفائهم في قوى «8 آذار» الجلسة نصابها بانسحابهم، على أمل أن تعقد جلسة انتخابية ثانية الأربعاء المقبل يرجح أن يكون مصيرها مشابهاً، بفقدانها النصاب، لتعذر الاتفاق على مرشح يحظى بدعم أصوات من الفريقين بحيث يحصل على الأكثرية المطلقة. (للمزيد)
وبقدر ما كان إنجاز جلسة أمس هو بدء آلية انتخاب الرئيس ضمن المهلة الدستورية وتأمين نصاب الجلسة واختبار فريقي المعركة، 14 و8 آذار والوسطيين، الحد الأقصى من الأصوات التي يمكنهم ضمانها، وهي أقل من النصف، فإن الجلسة بنتائجها كانت في الوقت نفسه تمريناً على الفراغ الرئاسي، نتيجة قدرة أي من الفريقين الرئيسيين على تعطيل نصاب أي جلسة طالما أن القاعدة التي اعتمدها بري هي لزوم تأمين نصاب الثلثين (86 نائباً) لانعقادها حتى في الدورة الثانية التي ينتخب فيها الرئيس بأكثرية النصف زائد واحداً.
وكان الرئيس بري بذل جهوداً لدى كل من العماد عون و «حزب الله» من أجل صرف النظر عن فكرة التغيّب عن الجلسة حين كان هذا الخيار من بين الاحتمالات المطروحة، وأبلغهما أن تطيير النصاب في الجلسة الأولى سيكون نقطة في غير مصلحتهما وسط الضغوط من أجل عقد الجلسة.
كما أن بري كان أبدى ارتياحه أول من أمس حين تبلّغ من جنبلاط ترشيحه النائب هنري حلو، الى هذه الخطوة، لأنها تعطي هامشاً للوسطية. وفيما تردد أنه مرّر صوتاً أو صوتين من كتلته النيابية خلال الجلسة لمصلحة حلو، فإن مصادر مطلعة قالت إن قياديين في «التيار الحر» و «حزب الله» كانوا رفضوا الفكرة في المداولات التي جرت ليل أول من أمس «حتى لا يجري تكريس حلو كمرشح ثابت»، واستبعدت حصول ذلك.
وإذ انحصر التنافس على التصويت بين المرشح عن «14 آذار» رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، ومرشح رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، باسم «اللقاء النيابي الديموقراطي» النائب هنري حلو، فإن قوى «8 آذار» نزلت الى حلبة الاقتراع بـ52 ورقة بيضاء، في مواجهة جعجع الذي حصل على 48 صوتاً، فيما أحرز حلو 16 صوتاً، أي 6 أصوات إضافية عن عدد نواب الكتلة التي ينتمي إليها. وإذ حضر الجلسة 124 نائباً من أصل 128، لغياب زعيم تيار «المستقبل» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري وعضو كتلته عقاب صقر خارج البلاد وتغيّب عضو الكتلة الآخر خالد الضاهر بداعي السفر الى السعودية، ومرض النائب إيلي عون من كتلة جنبلاط، فإن عملية الاقتراع شهدت تسرّب أصوات من هنا ومن هناك، إما لمصلحة حلو وإما لإثارة قضايا في وجه جعجع. واعتُبرت 7 أوراق ملغاة، 6 منها تضمنت أسماء ضحايا سقطوا خلال الحرب اللبنانية في الثمانينات سبق أن اتهم جعجع بالتورط في قتلهم.
واعتبر جعجع الذي تابع الجلسة من على شاشات التلفزة، أن «ما جرى انتصار كبير للديموقراطية ولو أن البعض حاول تشويهه من خلال تصرفات غير مسؤولة»، تعليقاً على الأوراق الملغاة التي تضمنت اسم الرئيس الشهيد رشيد كرامي وطارق داني شمعون وجيهان طوني فرنجية.
وأضاف جعجع: «هذا لا يمنع أننا قمنا بخطوة كبيرة نحو الأمام… وما شهدناه هو صورة فريق 14 آذار الذي يحمل مشروع الوطن والدولة». واتهم الفريق الآخر بأنه «لا يريد انتخابات رئاسية، بل قام بأعمال مقززة واستخدم أسماء شهداء لاستعمالها، ليس محبة بهؤلاء الشهداء بل لربح معركته»، معتبراً أن انسحاب بعض النواب من الدورة الثانية محاولة تعطيل للاستحقاق. واكد: «أنا مستمر حكماً في ترشحي ولن نكرر تجربة تسوية الدوحة».
أما العماد عون، الذي غادر الجلسة مع نواب من تكتله (بقي في القاعة 8 من أصل 27) ونواب من كتلة «حزب الله» (بقي اثنان من أصل 13) فور البدء في فرز الأوراق الـ124 في صندوقة الاقتراع، فبرّر في مؤتمر صحافي انسحابه بالقول إن «لا إمكان للتوافق على أي من المرشحين في الدورة الثانية». وحين سئل إذا كان سيترشح في الجلسات المقبلة أجاب: «حتى الساعة لا نزال ننتظر التوافق». وعن الأوراق التي سمت ضحايا اتهم بهم جعجع قال: «للناس ذاكرة وعبرت عن مشاعرها».
وعقد المرشح حلو مؤتمراً صحافياً وصف فيه ما جرى بأنه «عملية ممتازة وديموقراطية من دون تدخل أجنبي». وشدد على «الخيار الثاني الذي يعطي الانفتاح والاعتدال والحوار مع الجميع». وإذ أكد «أننا مستمرون بالحملة الانتخابية وأنا اليوم مرشح لكن الأهم هو إنقاذ البلد»، أكد جنبلاط أن «حلو سيبقى مرشحنا وليس لدينا مرشح آخر».
وشهدت الجلسة تصويت نائب رئيس الحكومة السابق النائب ميشال المر والنائب نقولا فتوش مع حلو، يضاف إليهما نواب طرابلس الثلاثة رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي والوزيران السابقان أحمد كرامي ومحمد الصفدي، فيما صوتت النائب نايلة تويني لجعجع. وتردد أن المغلف الفارغ يعود الى أحد نواب «14 آذار» الذي تجنب انتخاب جعجع.