IMLebanon

لبنان ساحة اختبار فقط… أدّت مهمتها؟

تعترف المصادر الحكومية البارزة بأن الوضع في شمال لبنان مُقلق وخطة الأمن بالتراضي التي نُفّذت في طرابلس. وتعرف في الوقت نفسه أنّ التطورات التي شهدها العراق في الأسابيع القليلة الماضية قد تكون “أنعشت” بعض الشيء التيارات السياسية والإسلامية الأصولية المتشدِّدة المعادية للنظام السوري، فتحركت معتبرة أن ميزان القوى الذي “طبش” لمصلحة النظام وحلفائه اللبنانيين قد بدأت عودة التوازن إليه. وهي تعرف أيضاً أن الوضع في البقاع مقلق أيضاً بسبب الحرب الدائرة في مناطقه المحاذية لسوريا. وتعرف أيضاً أن “الإنعاش” الذي أتى من العراق وصل إلى مُقاتلي نظام الأسد من سوريين ولبنانيين، ولا سيما بعدما أظهرت “معركة القلمون 2” أن “معركة القلمون 1″ لم تكن حاسمة بدليل وجود قرابة سبعة آلاف مقاتل سوري وغير سوري معادٍ له على الحدود اللبنانية – السورية البقاعية. وتعرف ثالثاً أن بعض هؤلاء يحلم بالسيطرة على هذه الحدود و”ردّ الرِجل” في “القصير”. وتعرف رابعاً وأخيراً أن الأوضاع في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مقلقة وخصوصاً التي منها قائمة في الجنوب. ذلك أن الكتلة الكبيرة فيها التي مثّلتها “فتح” وفصائل “منظمة التحرير” أصابها الترهل. والكتلة الإسلامية الكبيرة التي تمثلها “حماس” لا تزال على “شبابها”، لكنها لا تستطيع أو لا تريد الاصطدام بالمنظمات الإسلامية “الجهادية” أو التكفيرية كما يسميها أعداؤها لأسباب متنوعة، الأمر الذي جعل هذه الأخيرة قادرة على ممارسة استقلاليتها ومعه نفوذ لا يتناسب وحجمها على المخيمات كلها، وتالياً على توريطها في حروب سوريا ولبنان.

إلاّ أن الاعترافين المذكورين أعلاه مع المعرفة المتنوعة لا تدفع المصادر الحكومية البارزة إياها إلى اعتبار أن لبنان، وانطلاقاً من شماله (طرابلس) ومن البقاع ومن المخيمات الفلسطينية، ينزلق في سرعة نحو الحرب أو الفوضى. ولذلك سببان، الأول وجود قرار دولي بضرورة بقاء لبنان هادئاً وإن بالحد الأدنى. والثاني أن الإسلاميين السلفيين والأصوليين في طرابلس مثلاً لا تزيد نسبتهم عن 3,5 او 3,7 في المئة من سكانها، وأن “الاخوان المسلمين” من ابنائها لا تتجاوز نسبتهم 2,3 في المئة من السكان أنفسهم. وهذا يعني أن مجموع هؤلاء يقارب الـ5 في المئة، ولذلك فإنهم لا يشكلون خطراً فعلياً. أما في المناطق اللبنانية الأخرى فان نسبة سنّة الاعتدال في البلاد أكبر من نسبة أنصار التيارات الأصولية المتشددة.

هل يمنع توافر السببين المذكورين الانفجار فعلاً في طرابلس وفي مناطق أخرى من لبنان؟

المعتدلون عادة من السنّة كما من غيرهم غير فاعلين عملياً رغم عددهم الكبير لأنهم لا ينزلون إلى الشارع، وغير مستعدين لأن يتصرفوا مثل “أبناء الشارع” كما يقال. وهذا يساعد الذين عُبِّئوا مذهبياً ومن ثم إسلامياً رغم أعدادهم القليلة على إقفال المدينة أو أي مدينة أخرى. والتجارب في العالم كثيرة، فضلاً عن أن القرار الدولي بالتهدئة أرفقه أصحابه باتهام اللبنانيين أن تحقيقها يتوقف عليهم لا على الدول الكبرى دولياً واقليمياً. والأمران تعترف بهما المصادر الحكومية البارزة نفسها وتعرفهما. وفي معرض تأكيد ذلك تقول إن محقِّقاً وجّه إلى موقوف من “فتح الإسلام” أيام معركة طرابلس و”مخيم نهر البارد” السؤال الآتي: “هل كنتم مقتنعين فعلاً بأنكم قادرون على السيطرة على طرابلس بسبعين مقاتلاً؟” فكان جوابه: “لا تنسَ أن “حركة التوحيد” أيام الحرب لم يكن لديها إلا سبعون أو ربما تسعون مقاتلاً وبهم سيطرت على عاصمة الشمال. وبعد يومين صار عدد مسلحيها سبعمائة”. لكنها، ورغم اعترافها ومعرفتها، تبدو مقتنعة بأن ما يجري في لبنان ليس مفصولاً عن ما يجري في المنطقة. فهو كان ساحة “إختبار” ناجحة للصراعات الطائفية والمذهبية، والآن انتقلت نتائج هذا الاختبار إلى غالبية دولها. لذلك على اللبنانيين الانتظار بهدوء. ويذكِّر ذلك بحديث جدي قبل عقدين أو أكثر بين ضابط أمن لبناني في دورة تدريبية في فرنسا وزميل له فرنسي. فساعة مرّا بسيارتهما قرب قرية “نوفل لو شاتو” سأل الفرنسي اللبناني: “هل تعني لك هذه القرية شيئاً”؟ أجاب بالنفي. فتابع الفرنسي: “إنها القرية التي لجأ إليها الإمام الخميني بعد مغادرته العراق، وفيها كانت تسجل خطبه ومحاضراته وتوزع على الإيرانيين في بلادهم والخارج، ونحن كنا نشارك في توزيعها. وأنا شخصياً رافقته في الطائرة إلى طهران”. فسأل اللبناني: “وما هدفكم من ذلك، فالشاه كان أقرب إليكم؟” فكان الجواب: “بعد 20 سنة أو أكثر تعرف”.