لعنةُ الحروبِ تلاحقُ لبنان، فإذا لم تكن الحربُ فيه فهي على حدوده أو حوله. اليوم، وفي آنٍ واحد، هناك ثلاث حروب تحيط به:
حربُ إسرائيل على الفلسطينيين وعلى قطاع غزة تحديداً، الحربُ في سوريا، وهذه الحربُ يتبدَّلُ كلَّ يومٍ إسمُها، وهناك الحرب المستجدّة في العراق.
الخطير في هذه الحروب أنَّها ليست فقط حروب داخل بل هي أيضاً حروب حدود، بمعنى أنَّ الدول التي تتأثَّر فيها ليست قليلة.
ماذا تعني هذه المعطيات؟
تعني أنَّ لبنان سيدخل، أو يكاد، في دائرة النسيان لدى هذه الدول الآنفة الذِكر، فكلُّ واحدة منها همُّها على قدها، كما يُقال، ولن يكون لديها لا الوقت ولا القدرة ولا الطاقة على التلفُّت الى الخارج للنظر في ملفاته، كان يمكن لذلك أن يحدث قبل أن تنفجر تلك الحروب والملفات، أما الآن، وبعد إنفجارها، فإنَّ كلَّ دولةٍ ستكون منهمكةً بتقليع شوكها بأيديها وينطبق هذا الأمر على لبنان الذي سيجدُ نفسَهُ أمام خيارٍ واحد لا ثانٍي له وهو أن يُقبِّع شوكه بيديه.
إذا كانت الدولُ المحيطة بنا قادرة على ذلك، فهل لبنان قادرٌ على ذلك؟ للأسف لم يخرج البعض عندنا من دائرة ثقافة الإتكالية، فهذا ينتظر كلمة السرّ، وذاك ينتظرُ الوحي، وثالثٌ ينتظرُ غمزة، ولكن مَن ينتظر صوت ضميره؟
المعطيات والوقائع تدلُّ على أنَّ ثقافة الإتكالية ما زالت سارية المفعول حتى إشعارٍ آخر، بدليل أنَّ الوضع لم يتغيَّر، لا بل إزداد سوءًا منذ بدء مرحلة الشغور والفراغ:
فمَن يملك أيَّ معطى بالنسبة الى انتخابات رئاسة الجمهورية؟
ومَن يملكها لا يبوح بها، ومَن لا يملكها يملأ الأرض كلاما، مَن يملكها ينتظر الظروف الفضلى للتعريف بما يملك، وحتى ذلك الحين لا شيء جديد.
ولكن إذا كانت الإتكالية رائجة في القضايا الكبيرة، إذا صحَّ التعبير، فإنَّ الإرتجالية هي الرائجة في القضايا الأقل شأناً!
صدِّقوا او لا تُصدِّقوا:
لقد بدأت الإرتجالية تغزو ملفَّ المياه أو بالأصح ملفَّ انقطاع المياه، وهذا غيضٌ من فيض، وفي ما يأتي بعض بشائر الإرتجالية:
وضع لائحة بالآبار الواجب مصادرتها لقاء تعويضات!. هل تخبرنا لجنة الطاقة والمياه النيابية بكيفية إيجاد آلية لهذا المقترح؟ كيف ستُصادِر؟ وفي أيِّ مناطق؟ هل نحن في بلد تأميم؟
ثم تقول اللجنة في مكان آخر:
محاولة استيراد المياه من تركيا بالأساليب الممكنة وخاصة من خلال spragg bags، وهي بالونات بلاستيكية ضخمة تعبرُ البحر كقافلة مقطورة بما يشبه قطارات البرّ وترسو عند محطتي الضخ في الضبية والديشونية.
وثالثة الإرتجالية السماح للقطاع الخاص باستيراد المياه وبيعها للصهاريج.
وهنا لا بد من طرح بعض الاسئلة: إذا كانت المتساقطات في تركيا هي نفسها في لبنان فلماذا في تركيا هناك مخزون من المياه فيما عندنا لا مخزون؟
استوردنا الكهرباء من تركيا والآن نتحضَّر لاستيراد المياه، فلماذا لا نوسع البيكار ونطلب المزيد؟
لا نعرف الى أين ستوصلنا إرتجالية مسؤولينا!