عاش لبنان منذ السبت اسوأ انعكاس للازمة السورية منذ بدء الحرب الاهلية في سوريا قبل ثلاث سنوات ونيف، الأمر الذي أشاع جواً ضبابياً حول امكان اعادة ضبط الامور في ظل انقسام داخلي حاد، ووجود اكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري، وحدود غير مرسمة بين البلدين وشبه متفلتة في الاتجاهين. وارتفعت وتيرة الخوف بعد التهديدات التي وجهها “تنظيم احرار السنة – بعلبك” في الايام الأخيرة، اذ انتقلت المعارك الميدانية من سوريا الى لبنان من بوابة عرسال، وأدت المواجهة بين الارهابيين والجيش اللبناني الى استشهاد عشرة عسكريين واصابة نحو 35 وأسر 14. وسرب ليلاً خبر عن تصفية ضابطين في صفوف الاسرى، وارتفاع عدد الأسرى الى ما فوق العشرين.
واذا كانت المعارك الميدانية استمرت في جو ضبابي، فان الانقسام السياسي المذهبي المزمن حول عرسال دفع في اتجاه قيام مفاوضات سياسية غير مباشرة تولتها “هيئة علماء المسلمين” في رعاية وزيري العدل والداخلية اشرف ريفي ونهاد المشنوق، وهو تفاوض غير مباشر كما وصفته مصادر لـ “النهار”، لكنه لم يتوصل الى نتيجة حتى ساعة متقدمة من الليل، استناداً الى مصدر في”هيئة علماء المسلمين” اكد لـ”النهار”ان نجاح التسوية في ازمة عرسال مستبعد.
وكانت مصادر عسكرية أبلغت “النهار” ان المعركة مستمرة بين الجيش والمجموعات الارهابية ويجب ان تنتهي بما يخدم استقرار البلد. “هناك مسلحون اجانب يهددون منطقة طويلة عريضة والجيش ليس معنياً بكل ما يطرح في السياسة، بل فقط بالسقف الذي وضعه قائد الجيش في مؤتمره الصحافي”.
وقالت هذه المصادر: “إن كل كلام عن وقف لاطلاق النار يكون بين دولتين أو بين جيشين وليس مع مسلحين ارهابيين اجانب يعتدون على الجيش وعلى منطقة بكاملها، ويدفع ثمن وجودهم ابناء عرسال، لذلك فإن الحل لا يكون إلا بالقضاء على الارهاب، وكل ارهاب له ثمن والضريبة التي يدفعها الجيش عن كل البلد هي قليلة نسبة الى ما سيدفعه البلد فيما لو لم يتم القضاء على الارهاب”.
وأوضحت ان التفاصيل الميدانية على الارض تتغير كل لحظة، وهناك كر وفر مع المجموعات المسلٰحة، والوضع المستجد هو المشكلة الانسانية والاجتماعية التي يعانيها أبناء عرسال الذين بدأوا ينزحون تحت وطأة الوجود المسلٰح للمجموعات الارهابية، والمضايقات التي يتعرضون لها منهم.
الميس
وسألت “النهار” مفتي زحلة الشيخ خليل الميس، الذي رعى مساء أمس لقاء لعدد من نواب البقاع والعلماء في مقر أزهر البقاع سعيا الى وساطة لانهاء الازمة عن آخر التطورات، فأجاب: “اتصل بنا مشكوراً قائد الجيش وأثرنا معه قصف مسجدين في عرسال وهو أمر يرفضه الجيش بل هو من فعل آخرين. وسنتابع العمل على تهدئة الامور كي لا ينزل الناس الى الشوارع منعاً لمخطط جر عرسال والسوريين الى مواجهات. وقد أكد امامنا وجهاء عرسال أنهم درع الجيش اللبناني. ونأمل خلال 12 ساعة ان نوفق في الوصول الى وقف اطلاق النار”.
التفاوض
وعلمت “النهار” ان الوساطة بدأت ظهر الاحد عبر عدد من المشايخ اتصلوا بالوزيرين المشنوق وريفي وبقائد الجيش، لكن المراجع الرسمية رفضت الدخول في تفاوض مباشر، مما أدى الى اقتراح ان تتولى الامر مديرية المخابرات أو فرع المعلومات، وهذا الامر لقي اعتراضاً من الجيش، فترك الامر أخيراً للعلماء بالتنسيق مع اللواء محمد خير.
وتركزت نقاط التفاوض على ثلاث نقاط: وقف النار، اطلاق المخطوفين والموقوفين لدى الطرفين أو إخضاع بعضهم من المطلوبين لمحاكمة مخففة، انسحاب المسلحين الى خارج بلدة عرسال.
وعرضت هذه المعلومات في الاجتماع الامني الطارئ أمس، وستكون مدار بحث اليوم مع العلماء، وفي جلسة مجلس الوزراء الطارئة ظهراً.
مجلس الوزراء
وعلمت “النهار” ان الدعوة التي تلقاها الوزراء أمس لحضور الجلسة الاستثنائية ظهر اليوم في السرايا تضمنت بنداً وحيداً هو الموقف في بلدة عرسال، على ان تنتهي الجلسة ببيان يدعم الجيش وقوى الامن دفاعا عن السيادة اللبنانية. وقد استبق رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام الجلسة باجراء اتصالات مع كل الافرقاء من أجل ان تكون الجلسة على مستوى التحديات باعتبار ان الحكومة جامعة لكل القوى السياسية والطوائف وبمثابة رديف لهيئة الحوار الوطني. وفي هذا السياق برز تحرك خارجي وخصوصاً من الولايات المتحدة وفرنسا دعماً للبنان في موازاة تحرك خارجي في اتجاه دول اقليمية وعربية لها تأثير على التنظيمات المتورطة في الصراع من اجل تحييد لبنان الذي يختلف أمره عن أمر العراق وسوريا. وقد انتهى التحرك الخارجي الى نتيجة عملية مفادها تقديم مساعدات فورية للجيش اللبناني للتعامل مع الموقف الميداني، خصوصاً ان المعضلة تتعلق بالواقع الانساني في عرسال التي تضم 30 الف مواطن.
الكتائب
وعلمت “النهار” ان وزراء حزب الكتائب الثلاثة سيطرحون اليوم أمام مجلس الوزراء اقتراحا للرئيس امين الجميل يقضي بتحرك لبنان في اتجاه الامم المتحدة لتوسيع نطاق عمليات القرار 1701 لتشمل الحدود اللبنانية الشرقية مع سوريا.
وقد استغرب وزير العمل سجعان قزي “تورط اللاجئين السوريين في عرسال في المعارك ضد الجيش اللبناني”. ودعا وكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين وتشغيلهم “الاونروا” الى “اعادة النظر في سياستها الخاصة بمساعدة هؤلاء اللاجئين ما داموا يخرجون من خيم الوكالة حاملين الاسلحة المتوسطة والثقيلة”.