لم تحجب الهزّة الأرضية المتتالية التي ضربَت لبنان ليلَ أمس الأوّل، على رغم قوّتها والتحذيرات من تردّداتها، المشهدَ عن الهزّة السياسية التي يتعرّض لها لبنان منذ مدّة بفعل تردّدات ما يجري حوله، سواءٌ في سوريا أو في العراق، واستمرّ بالتالي نهج التعطيل المؤسّساتي وظلَّ موقع الرئاسة الأولى شاغراً. كذلك لم تطغَ على الهزّات الأمنية بفعل استمرار التهديدات الإرهابية والحملات التكفيرية والبيانات الوهمية وآخرُها تهديد لواء أحرار السُنّة – بعلبك لوزير الداخلية نهاد المشنوق بأنّه وأجهزتَه «الأمنية الصليبية التي يتباهى بها… سيعجزون عن منعِنا من تنفيذ عملياتنا الجهادية المباركة أينما نريد ومتى نشاء». أمّا الهزّات الاجتماعية فإلى ازدياد، في ظلّ تصميم هيئة التنسيق النقابية على الاستمرار في الإضرابات والاعتصامات حتى إقرار مشروع سلسلة الرتب والرواتب.
فيما تُواصل السياسة إجازتها المفتوحة، ويضاف أسبوع آخر إلى الشغور الرئاسي مشفوعاً بغياب أيّ مؤشّر إلى خرقٍ أو حلحلةٍ ما على هذا الصعيد قبل جلسة الانتخاب المقبلة المقرّرة في 23 تمّوز الجاري، كرّرت بكركي أمس صرختها، وناشَد البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظةِ الأحد رئيسَ المجلس النيابي نبيه بري «دعوةَ المجلس إلى جلسات إنتخابية يومية، وقد أصبحَت إلزامية وحَصرية بموجب الدستور. فمن خلال الاقتراع والتشاور المتواصلين يومياً، يتمّ التوافق على انتخاب الرئيس الأنسب لدولة لبنان اليوم، وليس خارج هذه الجلسات. هذا، إذا كانت النيّة حقاً إنتخاب رئيس للبلاد. لكنّنا نأمل دائماً في ذلك»،
وتوَجّه الراعي إلى «الذين يعطلون انتخاب رئيس للجمهورية، مباشرةً أو مداورة، ومَن يتستّر وراءَهم من الداخل والخارج»، قائلاً: «إنّهم يُنزلون ضرَراً كبيراً بلبنان. فدولة لبنان ليست مُلكاً لأحد، بل هي وديعة ثمينة وجميع اللبنانيين مؤتمنون عليها. ولبنان دولة تنتمي إلى منظمة الأمم المتحدة، وهو عضو فيها وأحد مؤسّسيها، وإلى جامعة الدول العربية كذلك. فيجب أن يظلّ مكان رئيس الجمهورية محفوظاً فيهما». ورأى «أنّه لَعارٌ كبير أن يكون كرسيّه فيهما شاغراً أثناء اجتماعاتهما وخارجَها. من هذا القبيل تُنادي الدول الصديقة البرلمانَ اللبناني لينتخب رئيساً للبلاد، حفاظاً على مكان لبنان ومكانتِه في الأسرتين العربية والدولية»، وقال: «وحدَه رئيس الجمهورية المسيحي – الماروني الجامع والقادر بشخصيته وأخلاقيته وتجرُّده وتاريخِه، يشكِّل الضمان لهذه الميزة اللبنانية الكيانية. ولهذا السبب نُصرّ على وجوب انتخابه اليوم قبل الغد. فإنّ كلّ تأخير أو مماطلة أو عرقلة لانتخابه إنّما يزعزع الكيان اللبناني الموصوف، ويعطّل مساهمة لبنان في استقرار المنطقة وسلامها».
برّي
وردّ رئيس مجلس النواب نبيه برّي على دعوة البطريرك الماروني ما بشارة بطرس الراعي إلى عَقد جلسات يومية لمجلس النواب الى حين انتخاب رئيس جمهورية جديد، فقال أمام زوّاره أمس «إنّ تعيين جلسة الانتخاب أمرٌ نظاميّ، ولكن في حال حصلَ أيّ جديد وبرزَت أيّ معطيات جديدة حول التفاهم على حضور الجلسة وانتخاب رئيس، فإنّني أدعو إليها في اليوم التالي. فالموعد المحدّد يمكن تقديمه لحظة حصول أيّ اتّفاق». وأضاف أن «لا معطيات جديدة تشجّع على التفاؤل في إمكان انتخاب رئيس جمهورية جديد، حتى لو عَيَّنتُ موعداً لجلسةٍ كلّ يوم».
وأضاف برّي أنّه تأكّد لديه بالملموس «أنّنا كلبنانيين لا نستطيع أن نعالج شؤونَنا بأنفسنا، وفشلنا في ذلك، وقد عدلتُ عن فكرة إجراء الاستشارات في شأن الاستحقاق الرئاسي مع رؤساء الكتل النيابية بعدما تبيّن لي أنّ الوضعية هي wait and see «. واعتبرَ «أنّ ما يزيد في الطين بلّة أنّ الدوَل حولنا باتت كلّ منها تحتاج إلى مَن يحلّ لها مشكلاتها». وردّاً على سؤال عمّا إذا كان اطّلَع على نتائج حركة رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط الداخلية والخارجية واللقاءات التي عقدَها في باريس قبل أيام، قال برّي إنّ جنبلاط «استنتجَ أيضاً أنّ لبنان هو الآن في وضعية wait and see».
جعجع
في هذا الوقت، ظلّت مبادرة رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح « النائب ميشال عون مدارَ أخذٍ ورَدّ. وانتقد رئيس «القوات اللبنانية» سمير جعجع عون، من دون أن يسمّيه، وقال: «إنّ أصحاب التعطيل الحاصل في موقع رئاسة الجمهورية لم يتوقّفوا عنده، بل طرحوا تعديلاً دستورياً، هرَباً من استحقاق رئاسة الجمهورية». واعتبر «أنّ من يطرح تعديلاً دستورياً تناسَى أن لا حكومة تعمل كما يجب ولا مجلس نيابيّاً كما يلزم ولا رئيس جمهورية، إضافةً إلى أنّنا في عقدٍ استثنائي، والتعديلُ الدستوري يقتضي عقداً عاديّاً طبيعياً».
كنعان
في المقابل، كشفَ أمين سِر تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ابراهيم كنعان لـ«الجمهورية»: «أنّ التكتّل سيبدأ هذا الأسبوع، وبعدما سقطت محاولة ضرب مبادرة العماد ميشال عون من خلال الصخب الإعلامي الخارج كلّياً عن سياق الموضوع، بمسارِ الكلام الجدّي مع الأطراف الجدّيين لإخراج لبنان من أزمته الحاليّة، ليس من خلال التسويات الظرفية والصفقات وعقود الإذعان، ولكن من خلال العودة إلى لحقوق الميثاقية التي وردت في اتّفاق الطائف».
وعن موقف التكتّل من التمديد لمجلس النوّاب، قال كنعان: «موقفنا ثابت، نحن ضدّ كلّ أشكال التمديد، فهو اغتيال للديموقراطية ولِحَقّ الشعب في اختيار ممثّليه، وما أوصَل الاستحقاقات، بما فيها الاستحقاق الرئاسي، إلى أزمة اليوم هو عدم احترام الدستور بإبرام قانون انتخابي جديد مُنتظَر منذ 24 عاماً، أي منذ إقرار الطائف، وتبريرُ ذلك كلّ مرّة بأعذار صارت مُمِلّة. ورفضُ تصحيح خَلل التمثيل المسيحي قبل الانتخابات الرئاسية
حسب ما طرحنا منذ سنة ونصف السنة، ورفضُ تصحيحه اليوم أيضاً هو خير دليل على أنّ المسألة ليست مسألة دورات استثنائية أو عادية، بل هي عمَلياً تصميمٌ لدى البعض على إبقاء الوضع على ما هو عليه ووضع اليد على الحقوق التي كرّسها الدستور والمواثيق، ولا سيّما منها وثيقة الوفاق الوطني التي تَعتبر الميثاقية مرتبطةً عضويّاً بالمناصفة، وهذا أمر يُتجاوَز دائماً تحت عناوين عدّة، أبرزُها وضع المسيحيّين أمام أمر واقع عندما يحين الموعد الدستوري بطرحِ مسألة النصاب لتبرير كلّ المخالفات والتجاوزات، ونقول هنا إنّ النصاب أمر تقنيّ يأتي في أسفل سُلّم الأولويات الدستورية، فإذا لم تتوافر البنود الدستورية الأساسية في عملية ديموقراطية كالميثاقية والمناصفة والحقوق، يصبحُ النصاب عملية نَصبٍ على المسيحيين».
أمن الحدود والكنائس
وفي الملفّ الأمني توسّعَت رقعة الاهتمامات الأمنية، من ملاحقة الانتحاريين والجماعات الإرهابية، إلى ما يمكن أن تؤدّي إليه التهديدات التي أطلقَها ما يُسمّى «لواء أحرار السُنّة» تجاه الكنائس المسيحية المنتشرة في البقاع، فعزّز الجيش إجراءاته في محيط هذه القرى وأقفلَ عدداً من الطرق غير الشرعية الوعرة الممتدّة ضمن سلسلة جبال لبنان الشرقية على مسافات واسعة من عرسال إلى القرى السورية المواجهة لها جنوب بلدة القصير السورية التي تعشّش فيها مجموعاتٌ سوريّة مسلّحة تطاردها القوات السورية من أراضيها في اتّجاه لبنان والمناطق الوعرة بين البلدين.
وتزامُناً أغار الطيران الحربي السوري ظهر أمس على أطراف الأراضي السورية في جرود عرسال، وألقى صواريخ عدّة على وادي الخيل والرهوة، على مرحلتين. ولم تتوافر أيّ معلومات عن حجم الإصابات، بعدما تبيّنَ أنّ الغارات التي شُنَّت نهاية الأسبوع الماضي أصابَت قافلةً من النازحين السوريين، بينهم عائلة من خمسة أشخاص سقطوا بين قتيل وجريح.
مواجهة
على صعيد آخر، من المقرّر أن تتفاعل بدءاً من اليوم المواجهة غير المباشرة، القائمة بين مؤسّسة كهرباء لبنان ووزير المال علي حسن خليل، بعد أن يكون الأخير أعلنَ أنّ ما قدّمَته وزارة المال إلى المؤسسة هو الحَدّ الأقصى لما يمكن تقديمه للمؤسسة في اعتبارها مزرابَ الهدر المالي ومصدرَ الحجم الأكبر من الدين العام على مدى العقدين الماضيَين. وتأتي هذه المواجهة بعدما كشفَت مؤسّسة الكهرباء الأسبوع الماضي في بيان عن معادلةٍ بسيطة مفادُها أنّ أيّ زيادة في الإعتمادات المالية لها سترفع ساعات التغذية في بيروت ولبنان، وهي التي لامسَت الخطوط الحمر، في اعتبار أنّ أيّ عطل في معامل الإنتاج بسبب الطقس سيزيد من حجم ساعات التقنين المحدَّدة بـ 13 ساعة خارج بيروت الإدارية و21 ساعة داخلها.
وفي موازاة هذه المواجهة، سيكون لمؤتمر وزير المال اليوم تفاعلاتٌ أخرى على المستوى المالي، عندما سيدعو النواب إلى جلسة تشريعية لتجديد القوانين الخاصة بدفعِ رواتب الموظفين في القطاع العام، بعدما اعتبرَ أنّ أسلوب صرفِها لم يعُد ممكناً، وأنّ على المجلس تجديدَ القوانين الخاصة بذلك في غياب الموازنات العامة، وهو موقفٌ سيدفع نوّاب 14 آذار ـ كما قال أحدهم لـ«الجمهورية»- إلى التأكيد أنّ دعوة خليل إلى الجلسة التشريعية «ما هي إلّا خَرقٌ لموقفِ رافضي التشريع قبل انتخاب رئيس جمهورية، وسيؤكّد هؤلاء أنّ مهمّة المجلس في هذه الفترة هي انتخاب رئيس جمهورية جديد قبل القيام بأيّ عمل تشريعي آخر، وهو موقف لن يتبدّل بين ساعة وأخرى، وإنّ استخدام رواتب موظفي القطاع العام في هذا البازار السياسي ليس قراراً موَفّقاً البَتّة». وفي هذه الأجواء، تستضيف لجنة المال والموازنة غداً وزيرَ المال للاطّلاع منه على واقع الحسابات الماليّة وكلّ المستجدات المتعلقة بها، وصولاً إلى أزمتَي الكهرباء ورواتب موظفي الإدارات العامة والوزارات.
خليل
وقال خليل لـ«الجمهورية»: «لا أزمة تمويل في الخزينة العامّة، وأموالُ الرواتب مؤمَّنة، لكنّ المشكلة تكمن في قانونية هذا الإنفاق، وأنا لن أُنفِق من دون تشريع قانونيّ، وإجازةُ الإنفاق تحتاج إلى قانون يُصدرُه مجلس النواب الذي يعود له حقُّ فتحِ اعتمادٍ إضافي. غداً (اليوم) سأفسِّر للرأي العام ما هي العقبات القانونية التي تَحول دون تحويل الرواتب، وسأطلبُ التشريعَ، وعلى الكُتل النيابية أن تتحمّل مسؤوليّاتها تجاه الموظفين، وأن تحضر إلى مجلس النواب لفتحِ اعتمادٍ إضافيّ وحَلِّ هذه المشكلة. وعندما تُبدي كلّ الكتل استعدادها لهذا الأمر بلا مزايدات تتحدّد جلسة تشريعية، من ضمن بنودها فتحُ اعتماد إضافي». وأضاف خليل أنّه سيُبلغ إلى الرأي العام «أن لا تأخيرَ في تحويل الأموال إلى قطاع الكهرباء، والحديث عن مشكلة في صرف الأموال غير صحيح، لأنّ الأموال مؤمَّنة من الخزينة، والمؤسّسةُ لديها مشكلات أخرى تتهرّب من معالجتها عبر تحميل وزارة المالية المسؤولية».