طرابلس: سوسن الأبطح
عاد الهدوء إلى طرابلس يوم أمس، بعد عمليتين أمنيتين كبيرتين شهدتهما المدينة، أدت إحداهما إلى مقتل منذر خلدون الحسن (24 عاما)، الحامل للجنسيتين اللبنانية والسويدية، بعد اشتباكات عنيفة، وهو المتهم بعمليات إرهابية، وارتبط اسمه بتفجيرات فنادق بيروت، ويعد العقل المدبر والمجهز الأساسي بالأحزمة الناسفة لانتحاريي فندق «دو روي» في الروشة في 25 يونيو (حزيران) الماضي. أما العملية الثانية التي نفذت في طرابلس بالتزامن مع الأولى، فقد أدت إلى اعتقال حسام الصباغ، الذي يحمل الجنسيتين اللبنانية والأسترالية، وهو قائد إحدى أبرز المجموعات المسلحة في باب التبانة أثناء المعارك مع جبل محسن طوال السنوات الثلاث الماضية، وصدرت بحقه عدة مذكرات توقيف، علما بأن هذه الاشتباكات توقفت منذ الثالث من أبريل (نيسان) الماضي، بعد تطبيق خطة أمنية للجيش اللبناني.
وتتضارب المعلومات حول الصباغ، بين من يرى أنه كان عنصر تهدئة في باب التبانة، ومن ينسب إليه انتماءه إلى تنظيم القاعدة، وقتاله في أفغانستان، وصولا إلى عودته إلى لبنان من أستراليا وعلاقته بجماعة فتح الإسلام، وصدور عدة مذكرات توقيف بحقه. وإذا كان مقتل منذر الحسن لم يثر أي ردود فعل، فإن توقيف الصباغ استدعى غضب مجموعته المسلحة في باب التبانة التي هددت بقطع الطرقات، وثمة من نشر تسجيلا يهدد فيه بالهجوم على مراكز الجيش، واستدعى الأمر اجتماعا لهيئة العلماء المسلمين، التي طالبت بالإفراج عنه، كما شهدت باب التبانة اشتباكات للجيش مع مناصري الصباغ، مما أدى إلى جرح عدد من الأشخاص، وقطع طريق دوار أبو علي، ليعود الهدوء التام إلى المنطقة صباحا.
وصدر عن قيادة الجيش، يوم أمس، بيان أوضح أنه «عند الساعة 0.15 أوقف حاجز تابع للجيش اللبناني في محلة طلعة المنار، المدعو حسام عبد الله الصباغ، المطلوب بعدة مذكرات توقيف لقيامه بأعمال إرهابية، برفقته المدعو محمد علي إسماعيل إسماعيل. وسلم الموقوفان إلى المراجع المختصة وبوشر التحقيق معهما بإشراف القضاء المختص».
وفي الوقت عينه، وفي طرابلس أيضا، كانت قوة النخبة في قوى الأمن الداخلي، وتحديدا فرع المعلومات، تضرب طوقا أمنيا محكما حول تجمع «سيتي كومبلكس» التجاري السكني، الذي يعد الأكبر في طرابلس. وأغلقت كل الطرقات والمسارب المؤدية إلى المجمع الذي يضم نحو 44 شقة سكنية بعد مراقبة حثيثة، ومعلومات عن وجود الحسن في إحدى الشقق من القسم «رقم 2». ودارت اشتباكات بين منذر الحسن والقوى الأمنية أرعبت السكان، حيث لم يتوقف وهو يتحصن بالشقة عن رمي القنابل واستخدام الرشاشات لإبعاد المداهمين.
وتقول الدكتورة وفا شعراني، التي تقطن في شقة مجاورة للمبنى «عشنا ليلة رهيبة ومعارك دامت أربع ساعات، بدأت بانفجارين كبيرين، صرت أركض على أثرهما في البيت في كل اتجاه، وأصرخ لا أعرف ماذا أفعل. ثم توالت أصوات الاشتباكات بالرشاشات الثقيلة ولم تتوقف الانفجارات، وكنا نسمع أصوات قوى الأمن تمنع الناس من مغادرة منازلهم أو من الإطلال من النوافذ والشرفات، خوفا على حياتهم»، مضيفة «أنا مع قوى الأمن والجيش دون تردد، لكن ربما لا بد من تطوير أساليب المداهمات لشقق يتحصن بها أناس على هذا القدر من الخطورة. لقد كان الرعب كبيرا بين السكان».
وأصدرت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي بيانا قالت فيه «نتيجة المتابعة والرصد وفي مدينة طرابلس، حددت شعبة المعلومات مكان وجود المطلوب بجرم إرهاب المدعو (م.ح)، وذلك في شقة من الطبقة التاسعة في مجمع الـcity complex، لارتباطه الوثيق بالإرهابيين والانتحاريين الذين جرى توقيفهم أخيرا في الفنادق وفي بعض المناطق اللبنانية».
وأضاف البيان «في ليل 19 – 20 يوليو (تموز) الحالي، وبناء على إشارة القضاء المختص، قامت قوة من الشعبة بمحاصرة المطلوب في الشقة، وبدأت بمفاوضة طويلة بمشاركة إحدى قريباته، لتسليم نفسه، إلا أنه رفض الاستسلام، وقام بإطلاق النار والرمانات اليدوية باتجاه القوة التي ردت بالمثل، مما أدى إلى مقتله وجرح أربعة عناصر من القوة المداهمة بجروح طفيفة».
وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية أن «فرع المعلومات تمكن من دخول الشقة بعد مقتل الحسن في انفجار قنبلة كان يحاول رميها على المهاجمين»، كما قالت نقلا عن مصدر أمني إنه جرت مصادرة حزام ناسف ومواد متفجرة وأوراق ومستندات من الشقة، كما صادرت سيارة كان الحسن يستخدمها. والمدعو منذر خلدون الحسن من مواليد عام 1990 بزبينا – عكار، ووالدته حلبية. والملاحظ أن الرجل غير معروف بين المسلحين في طرابلس أو المشايخ، ويعلق أحد الشيوخ بالقول «ثمة توجه لدى (القاعدة) لتجنيد أبناء القرى البعيدة، في الوقت الراهن، لأن المدن لم تثبت صلاحيتها لهذا الأمر».
وإذ نفى الشيخ نبيل رحيم، عضو «هيئة العلماء المسلمين»، معرفته بمنذر الحسن الذي تسكن عائلته في منطقة المنكوبين، فإنه قال لـ«الشرق الأوسط» يوم أمس إن «هيئة العلماء المسلمين اجتمعت في بيروت، بحضور كل أفرادها من كل لبنان، واستنكرت توقيف حسام الصباغ، خاصة أنه لم يكن متواريا عن الأنظار». كما أن الهيئة التقت أمس رئيس الوزراء تمام سلام، وطالبته بالإفراج عن الصباغ. وقال مصدر سياسي في طرابلس، رفض الكشف عن اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «حسام الصباغ كان يحضر اجتماعات فيها أمنيون، وكانوا قد غضوا الطرف عنه، ويتوجب اليوم توضيح سبب اعتقاله». ووصف المصدر السياسي الصباغ بأنه «شخص دمث وشديد الذكاء»، مذكرا بأن بعض المقاتلين في باب التبانة بايعوه أميرا لكنه رفض، لأنه رأى أن في ذلك إيقاعا به». وأشار المصدر السياسي إلى أن «مجموعة الصباغ المسلحة في التبانة التي ضمت العشرات كانت من أكثر المجموعات تنظيما وأفضلها تسليحا، وهو ما يفتح السؤال حول مصادر هذا التمويل وكيفيته»، فيما قال مصدر ديني مطلع في طرابلس، رفض الكشف عن اسمه أيضا «إن حسام الصباغ، على الأرجح مطلوب دوليا، وقد بدأ التمهيد لاعتقاله بإلقاء القبض قبل أشهر قليلة على أحد مساعديه المقربين، ولم يجر إطلاق سراحه، وهو ما شق الصف في مجموعته المسلحة، حيث اتهمه البعض بالتراخي، في الدفاع عن رجاله».
وكانت وكالة الصحافة الفرنسية قد ذكرت نقلا عن مصدر أمني أن الصباغ ألقي القبض عليه لأنه «متهم بتشكيل مجموعة إرهابية وتدريب عناصر إرهابيين، وهو على صلة بتنظيم القاعدة وتنظيم فتح الإسلام المتشدد، الذي خاض معارك مع الجيش اللبناني في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين (شمالا) في عام 2007، أدت إلى مقتل 400 شخص بينهم 168 عسكريا».
وبينما يرى البعض أن ردود الفعل على اعتقال الصباغ ستبقى محدودة، وأن طرابلس ستعيش تحضيرات العيد دون منغصات، فإن البعض الآخر يفضل التريث على اعتبار أن «الساعات المقبلة ستظهر ما إذا كانت صدمة اعتقال الصباغ قد مرت بسلام» أم لا.