لأنّ في لبنان توجد أعلى نسبة للمسيحيين في الشرق، ويؤدّون دوراً فاعلاً فيه، فإنّه يقَع على عاتقهم إنقاذ المسيحيّين المشرقيين الآخرين ومتابعة قضاياهم، ومساعدتهم على تخطّي المِحَن، بعدما هُجّروا من بلداتهم ومدُنهم.
لا يشبه استهداف مسيحيّي العراق ما تعرَّض له مسيحيّو سوريا، على رغم أنّ المعاناة والنتيجة واحدة، والهدف إفراغ الشرق من مسيحيّيه. فالتهجير الذي تعرَّض له مسيحيّو سوريا شبيه بالتهجير الذي استهدف المسيحيين اللبنانيين أيّام الحرب الأهلية، عندما تركوا منازلهم في الجبل، والمناطق التي كانت خارج سيطرة الأحزاب المسيحيّة، واتّجهوا نحو المناطق الشرقيّة المحرّرة. وفي سوريا، ترك المسيحيّون بلداتهم وأحياءَهم التي تعرّضت لأعمال عنف واتّجهوا نحو وادي النصارى والساحل السوري الآمن.
أمّا في العراق، فالوضع مختلف تماماً. فقدّ تعرّضت الأقلية المسيحيّة لعملية تطهير، وهي لم تعطِ بلدَها سوى العلم والمعرفة والإنفتاح والثقافة، وهذا ما يدعو الى إعلان حال طوارئ مسيحيّة – شرق أوسطيّة، وسط تخاذل العالم. هذا الإستنفار، لا أحد يستطيع الحشدَ والتجيش له إلّا البطريركية المارونية، في وقت تُلملم الكنائس المشرقية آثار الحرب في سوريا والعراق، فيما لا تستطيع الكنيسة القبطية لَعِب الدور المنشود، لأنّ أوضاع مصر ليست أفضلَ حالاً.
تنتظر الأشرفيّة والضواحي الشرقية لبيروت توافدَ مسيحيّي الموصل إليها، وهي التي استقبلت آلاف المهجّرين العراقيين منذ العام 2003 (تاريخ سقوط نظام صدّام حسين وبدء التفجيرات التي استهدفت المسيحيّين)، وبحُكم أنّ لهم أقرباءَ هنا، فسوف يكون لبنان وجهة العراقيين، قبل سعيِهم إلى الهجرة نحو بلد أوروبي.
وتُطرح على الساحة المسيحية قضيّة استيعاب لبنان للمسيحيّين، وتحرّك الكنيسة المارونية من أجل الحفاظ عليهم، لإعادتهم الى العراق فورَ استتباب الأمن، لكي لا يغادروا ويخسرَهم الشرق. هذه النظرية طُرحت في أوساط الكنيسة والرهبانيات، والمؤسسات المارونية، فتعدّدت الآراء، خصوصاً أنّ لبنان بات يأوي عدداً كبيراً من النازحين السوريين، واللاجئين الفلسطينيين، والعراقيين السابقين، وهو غير قادر على استيعاب مزيد من البشر، فيما الأوضاع الاقتصادية غير سليمة، وبالتالي ستتوقف إعالتهم على بطريركياتهم.
وهناك رأي ثانٍ يقول إنّ لبنان الذي يأوي 1.5 مليون نازح سوري لن يضيق بـ 20 ألف مسيحيّ عراقي، مع التشديد على أهمّية تكاتف البطريركيات لتأمين منطقة آمنة لهم، وهي لبنان، علماً أنّ وجودهم في لبنان سيكون موَقّتاً ريثما يستتِبّ الأمن في العراق. فلا أطماع سياسية لمسيحيّي العراق، لكنّ ضعفَ قدرة بطريركياتهم يُحتّم تدخّلاً فوريّاً وعاجلاً للبطريركية المارونية صاحبة القدرات المؤسّساتية والإقتصادية والجغرافية الكبيرة، والقادرة على حشدِ دعم الفاتيكان.
وفي هذا السياق، يوضح النائب البطريركي العام المطران بولس الصيّاح لـ«الجمهورية» أنّ «البابا فرنسيس يتحرّك لإنقاذ مسيحيّي العراق، وهو يتّصل برؤساء الدول حول العالم، لإعادتهم إلى ديارهم»، مؤكّداً أنّ البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي حاولَ جمعَ البطاركة المشرقيّين لكنّهم خارج لبنان، ومن المفترض عقد قمّة بطريركية تضمّ جميع البطاركة في 7 آب المقبل في الديمان، وإذا لم يتمكّن بطريرك الكلدان في العراق والعالم مار لويس روفائيل الأوّل ساكو من الحضور، سيحضر ممثل عنه».
ويؤكّد الصيّاح أنّ «البطريركية المارونية مستنفرة لمتابعة أوضاع مسيحيّي العراق، وهي تقف خلف البطريركيات التي ينتمي اليها المسيحيون. أمّا بالنسبة إلى توافدهم الى لبنان، فسنرى الأعداد، وعندها سنقدّم كلّ مساعدة ضرورية لاستيعابهم وترتيب شؤونهم».
بعد تلقّي الصدمة التهجيرية، يجب تنفيذ هجوم مضاد، تُحضّر له راهناً الديبلوماسية العالمية التي تُحرّكها الفاتيكان، على أن تستتبع بخطوات سياسية، إذ لا يكفي إرسال بطانيات وأغذية الى المسيحيين، بل يجب وضع رؤية شاملة يخرج بها اجتماع البطاركة في الديمان، يليها وضع خريطة طريق تقودها البطريركية المارونية، للحفاظ على المسيحيين العراقيين في لبنان، لا أن يكون بلد ترانزيت لنقلِهم الى الغرب، بل بلد ترانسفير إذا اقتضَت الحاجة.