المليار دولار الإضافي الذي تعهدت به السعودية لدعم الجيش اللبناني، أول من أمس، ليس هدية بل عمل سياسي ضمن تطويق الحرب القائمة في لبنان ومحيطه. وقد كان بإمكانها أن تمنح المليار دولار لبناء ميليشيا سنية لبنانية. والأسباب كثيرة لإقامة ميليشيا سنية، سعودية الميل، من محاربة «داعش» السنية، إلى ردع «حزب الله» الشيعي، وكذلك مخابرات الأسد.
عوضا عن ذلك، اختارت السعودية أن تدعم مؤسسة الجيش اللبناني، في بلد الميليشيات المسيحية والدرزية والشيعية. فلماذا تدعم السعودية الجيش وليس أحمد الأسير، أو خالد الظاهر، أو عدنان إمامة، وغيرهم من السنة الذين يبحثون عن ممول؟ ليس في صالح السعودية أن يتحول لبنان إلى ساحة ميليشيات طائفية تتقاتل بالنيابة عن دول المنطقة، وليس من مصلحة سنة لبنان ولا شيعته دعم حمل السلاح، والتنمر على الدولة. والرأي العام اللبناني، رغم الاغتيالات والشحن السياسي، يظل في معظمه يرفض الاحتكام إلى السلاح بعد تجربة الحرب الأهلية المدمرة في السبعينات. لهذا كان الخيار هو دعم الدولة اللبنانية، وتسليح مؤسسته العسكرية الجيش ليقوم بواجباته في حماية السنة وبقية مكونات البلد. ولنتذكر، رغم أن «حزب الله» يحمل سلاحا أفضل ولديه مقاتلون أكثر منذ 30 عاما إلا أنه فشل في اكتساب الشرعية، رغم زعمه أنه مقاومة وحارس لحدود لبنان.
ومن المتوقع أن يغضب من دعم الجيش وتقويته جماعات مثل «حزب الله»، فهو يفضل أن تولد ميليشيات سنية حتى يبرر وجوده كفريق شيعي مسلح، على تقوية الجيش اللبناني، الوحيد الذي يهدده شرعيا وعسكريا، أي شرعية حمل السلاح وحكم الدولة بالقوة.
السعودية أخذت قرارا ضد مفهوم الميليشيات، سنية كانت أو شيعية، في لبنان وغيره. تعتبر أن تعزيز الدولة هو الخيار الصحيح ليس للإنسان اللبناني، بل أيضا لكل دول المنطقة المعنية باستتباب الأمن. وردا على امتناع السعودية عن دعم الخروج على الشرعية، قام نظام الأسد، وكذلك الإيراني، باختراع زعامات سنية دينية منافسة للزعامات السنية المدنية وذلك منذ الثمانينات، تحاول خطف القيادة من قيادات مثل كرامي والصلح والحريري. حتى مفتي السنة محمد رشيد قباني، ويا للمفارقة، يرفضه سنة لبنان ويعتبرونه موظفا تابعا لنظام الأسد! والحالة اللبنانية مشابهة للفلسطينية، حيث إن «فتح الإسلام» و«حماس» و«الجهاد الإسلامي» تتبع للنظامين السوري والإيراني.
تعزيز الجيش اللبناني يعني، عمليا، إضعاف مخطط حزب الله بالهيمنة على لبنان، وتحويله إلى إمارة إيرانية، وسيمكن اللبنانيين من مواجهة التنظيمات السنية الإرهابية التي جاءت من سوريا تركض وراء «حزب الله» من سوريا إلى لبنان، ضمن مطاردات القط والفأر. وقد برهنت أحداث عرسال على أهمية وجود جيش قوي يوقف تدخلات «حزب الله»، الذي سعى للاشتباك مع الجماعات السورية المتسللة تحت علم الجيش اللبناني. كما برهنت التحديات العسكرية على مستوى الدولة، من مخيم نهر البارد إلى عرسال، أنه لا يمكن الوثوق في «حزب الله» ولن يقبل اللبنانيون غير الجيش ليتولى الدفاع عن أمنهم. لكن مشروع تقوية الجيش اللبناني لن يعني الخلاص من «حزب الله» وبقية الميليشيات، لاستحالة تحقيق هذا الهدف في المستقبل المنظور، الهدف أن يوقف أطماع الحزب في لعب دور الجيش السوري الذي أخرج من لبنان بقرار من مجلس الأمن، بعد تورط نظامه في اغتيال الحريري قبل تسع سنوات. جيش لبناني قوي سيضعف مبرر وجود الميليشيات أو سيعيدها إلى قمقمها، وحينها سيصبح «حزب الله» مشكلة شيعية، متروكا أمرها لشيعة لبنان.