يُجمع الكل على أنّ المغتربين اللبنانيين بما حققوه من نجاح في المهاجر وفي جميع المجالات هم ثروة للوطن. ولطالما أنقذ المغتربون بأموالهم وتحويلاتهم الوضع الاقتصادي للبنان المقيم في جميع الظروف، خصوصاً الأليمة منها التي مرّ بها الوطن..
وما دعاني إلى كتابة هذا المقال وأنا خارج البلاد منذ عدة أشهر هو ما أشاهده على بعض شاشات التلفزة اللبنانية التي تبث إلى أميركا وأوستراليا من دعوات إلى المغتربين كمثل «ما تأجّل سجّل» وهي دعوة إلى تسجيل الطفل المولود في المغتربات لدى القنصليات اللبنانية لاكتساب الجنسية اللبنانية التي عزّزها وأغناها «الرفيق» بشارة مرهج بمئات الآلاف من «الشخصيات والأدمغة من شذّاذ الآفاق والمحكومين»! أو الدعوة إلى تسجيل أسماء الشباب من أصل لبناني في رحلة لزيارة أرض الأجداد. وإليكم هذه القصة «الفضيحة» عن كيفية «ترغيب» المغترب في العودة إلى الوطن: اتصل بي أحد الأصدقاء المغتربين ليخبرني أنّه وعائلته وقعا ضحية عملية سطو على ملكيتهم في لبنان وأنّ ذلك قد تم بموجب وكالات مزوّرة وأنّه قد تكبّد مبالغ طائلة حتى الآن لتوكيل محام في الخارج للاتصال بالقنصلية اللبنانية التي «أصدرت» الوكالة باسمها، ثم عند إلى توكيل محام في لبنان لمتابعة القضية لدى وزارة الخارجية والأمن العام وإقامة الدعوى لدى القضاء اللبناني ضدّ العصابة المزوّرة التي يرعى أعمالها محلياً بعض رجال القانون الفاشلين الذين اختاروا الطريق الأقصر لنيل الثروة عن طريق السطو والتزوير هذه. وبالمختصر المفيد قد يتكبّد هذا المغترب ثمن الملك لاستعادته ما عدا «الشحشطة وحرق الأعصاب» وهناك العديد من هذه القصص التي ما زالت مخفية ويتهامس الناس فيها عن هؤلاء «النصّابين» لأنّ أصحاب الملكية المغتربين غافلون عن هذا الأمر.. أهكذا نشجّع المغتربين على الرجوع إلى بلد الأرز؟ أليس من العيب والحرام أن تكون الدولة غافلة عن هؤلاء «الزعران»؟ ولكن لا عجب في صمت الدولة طالما أنّها ساكتة عن السطو على أملاكها! فليقلّع المغتربون شوكهم بأيديهم!..
أيها المسؤولون الكرام:
يجب اعتماد آلية قانونية واضحة لتسجيل أي ملك بموجب وكالات من الخارج واننا نطرح ما يلي على سبيل الاقتراح:
1 يجب عرض الوكالة الواردة من أية قنصلية في الخارج على وزارة الخارجية والمغتربين ليس للتصديق الروتيني فقط، بل للتأكد من أنّ هذه الوكالة صادرة عن قنصليتها في الخارج وأن تقترن المصادقة على الوكالة بعبارة «صالحة للتسجيل».
2 يجب إبلاغ المديرية العامة للأحوال الشخصية والمديرية العامة للأمن العام بنسخة عن الوكالة للتأكد من هوية الموكّلين والوكلاء وإبداء الرأي.
3 بعد إتمام المرحلتين السابقتين يتم تحويل الملف إلى قاضٍ مهمته النظر في قضايا تحويل الملكية العقارية الخاصة بالمغتربين وبنهاية دراسته يعطي القاضي حكمه بالتسجيل وتمتنع الدوائر العقارية قبل صدور أمر القاضي بذلك عن تسجيل الملكية.
عندها نستطيع أن نقول للمغترب «ما تأجّل سجّل» و»يا مهاجرين ارجعوا غالي الوطن غالي».
ثم إذا كانت الدولة الحاضرة «المحتضرة» تريد بالفعل ترغيب المغتربين في العودة إلى لبنان أو زيارته فيجب اعتماد سياسة إعلامية وبرامج تشرف عليها الدولة عبر لجنة مؤلفة من وزارة الخارجية والمغتربين ووزارة الاعلام ووزارة السياحة ووزارة الثقافة ومَن تراه الدولة مناسباً. برامج تركّز مثلاً على طبيعة لبنان ومناخه وتاريخه والأماكن الأثرية والسياحية فيه وعلى ميزات الحياة الاجتماعية في لبنان وعلى السياحة الدينية والحركة الثقافية وعلى امكانية الاستثمار في لبنان والحوافز والتسهيلات التي تقدّمها الدولة في هذا المجال الخ… وبكلمة مختصرة إبراز وجه لبنان الحضاري والثقافي والاجتماعي..
ما يثير الشفقة بالفعل بعض البرامج التي تبثها بعض المحطات اللبنانية إلى بلدان الاغتراب، فهل يعقل هذا الاستهزاء بعقلية وأهلية المغترب؟ ماذا يهم المغترب من بعض البرامج الترفيهية المحلية التي يمجها الذوق السليم وما نفع المقابلات مع رجال السياسة؟ فهل تريدون أن تنقلوا اصطفافات الداخل إلى المغتربين وقد بدأنا نلاحظ تجمّعات في بلدان الاغتراب مماثلة لتجمعات أهل الداخل! فما هي الفائدة من هكذا برامج؟ ان المحطات التلفزيونية هي بأهمية السفارات وفهمكم كفاية.
مسكين يا لبنان المقيم لأنك فعلاً في غربة حقيقية! بلد جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وحسن كامل الصبّاح وسعيد عقل وسواهم من العباقرة يُستبدلون بسعادين يثيرون الشفقة! أما لهذا الجنون في لبنان من نهاية؟ هل فُقد العلاج؟
() مستشار قانوني