بدأ لبنان يستشعر خطورة الحدث العراقي المنذر باشتعال فتنة مذهبية واسعة قد لا تقتصر تداعياتها وانعكاساتها المتمددة على العراق وسوريا بل تهدد دول المنطقة بأسرها وهو الامر الذي يضاعف الاثقال السياسية والأمنية اللبنانية في حقبة الفراغ الرئاسي التي كان من شأنها ان جمدت وعطلت كل نواحي العمل المؤسساتي فيه.
ولعل ما بات يفرض كسر رتابة الجمود السياسي والتحسب للتطورات الجسيمة المتلاحقة في العراق ومحيطه اقليميا ودوليا ان اوساطا رسمية اكدت لـ”النهار” ان مشاورات أجريت مع جهات ديبلوماسية غربية واقليمية عكست اجواء ومعطيات شديدة القتامة بالنسبة الى ما يجري في العراق وانعكاساته المحتملة على دول المنطقة. وشددت هذه الجهات على ان انتظار اللبنانيين تسويات او مفاوضات اقليمية ودولية لانهاء ازمة الفراغ الرئاسي صار اصعب بكثير من ذي قبل ويقتضي وضع حد لهذا الانطباع الذي لن يعود على لبنان إلا بإطالة أمد أزمته وزيادة تكاليف الانتظار عبر أزمات اضافية تعرض استقراره لخطر الاهتزاز.
وفي هذا السياق، علمت “النهار” ان الامين العام للامم المتحدة بان كي – مون كان في صدد القيام بمبادرة حيال لبنان لتحريك ملف الانتخابات الرئاسية، لكنه ارجأ هذه المبادرة بفعل تطورات العراق، وأبلغ هذا الموقف لمن يعنيه الامر في لبنان. كما أبلغ سفير دولة كبرى احد الوزراء ان لا اجوبة عن اسئلة اللبنانيين عما يمكن ان تفعله دولته حيال الانتخابات الرئاسية وذلك بسبب تقدم الملف العراقي سواه من ملفات المنطقة. وسرت تكهنات في هذا الصدد بأن انتقال التطورات في العراق الى سوريا ليس بعيدا مما يجعل لبنان قريبا اكثر فأكثر من الحدث العراقي.
غير ان التخبط الداخلي بالانعكاسات التي تركها الفراغ الرئاسي لا يبدو مرشحا لتغيير قريب بدليل ان الآمال التي بنيت على ايجاد تسويات لملفات حيوية كسلسلة الرتب والرواتب والتوافق على آلية عمل مجلس الوزراء تراجعت الى حد بعيد في الايام الاخيرة. حتى ان الغياب الرسمي للدولة عن الضجة الواسعة التي اثارها حرمان اللبنانيين متابعة مباريات كأس العالم لكرة القدم ومشكلة احتكار التغطية التلفزيونية لهذا الحدث الرياضي العالمي كشفت واقع تضعضع الدولة والحكومة حيال اي ملف وتطور يعنى به المواطن.
وقالت مصادر وزارية لـ”النهار” ان الاتصالات التي أجريت قبل يومين على هامش جلسة مجلس الوزراء أفضت الى قرار بأن تبقى الحكومة في واقع غير منزوعة الصلاحيات لكنها لن تصل الى حد ممارسة دورها الكامل كسلطة تنفيذية. ولفتت الى ان الحكومة التي باتت ذات صلة بملف سلسلة الرتب والرواتب من خلال معطيات وزارة المال عن الواردات لن تحل المعضلة بدل مجلس النواب الذي يبدو انه عاجز بدوره عن ايجاد حل في جلسة الخميس المقبل وفق معلومات نيابية مواكبة.
الحريري وجنبلاط
أما على صعيد الازمة الرئاسية، فأفاد المكتب الاعلامي للرئيس سعد الحريري امس ان رئيس الوزراء السابق استقبل في مقر اقامته في الدار البيضاء بالمغرب وزير الصحة وائل ابو فاعور. وتخلل الاجتماع اتصال هاتفي مع رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط وتم الاتفاق على لقاء للحريري وجنبلاط في موعد يحدد.
الى ذلك، قالت اوساط قريبة من الاتصالات المارونية – المارونية لـ”النهار” ان الاتصال الذي اجري امس بين رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” العماد ميشال عون والبطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي تم بمبادرة من عون من أجل كسر الجليد بين الجانبين والبحث في امكان تطوير هذا الاتصال في اتجاه الحوار في رعاية بكركي التي تعرض دورها في الاونة الاخيرة للاهتزاز بفعل الانقسامات. لكن الاوساط نفسها اوضحت انه ليس في الافق حتى الان احتمال لتعويم الاجتماعات القيادية المارونية في الصرح البطريركي. ويأتي هذا الاتصال بالتزامن مع اتصالين يحملان طابعا اجتماعيا اجراهما العماد عون مع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع للتعزية بوفاة والده ومع قائد الجيش العماد جان قهوجي للتعزية بوفاة صهره.
الامتحانات الرسمية
في غضون ذلك، بدأت امس الامتحانات الرسمية في يومها الاول المخصص للشهادة المتوسطة (البريفيه) والتي يشارك فيها نحو 61 الف تلميذ في اجواء هادئة وطبيعية لم يخرقها أي حادث معكر للامتحانات. وجال وزير التربية الياس بو صعب على عدد من مراكز الامتحانات متفقدا سيرها. ووصف الأجواء بأنها “انتصار للاساتذة والاهالي والتلامذة والوزارة”، مكررا انه لن يتخلى عن مطالب الاساتذة، موضحاً انه ابلغ مجلس الوزراء عدم استعداده للضغط على الاساتذة من أجل تصحيح المسابقات “بل يتوجب على الكتل السياسية في مجلس النواب محاورة هيئة التنسيق النقابية للتوصل الى حل لقضية سلسلة الرتب والرواتب ترضي الجميع”.