IMLebanon

لبنان يحارب «داعش».. بأية إستراتيجية وكلفة؟

 

باسيل: لانخراطنا شروط.. والأهم عدم استبعاد أحد

لبنان يحارب «داعش».. بأية إستراتيجية وكلفة؟

كتب المحرر السياسي:

لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثاني عشر بعد المئة على التوالي.

لا أفق للفراغ للرئاسي، ولا تتعدى حصة لبنان من الاهتمام الإقليمي والدولي حجم تماسه العسكري والأمني مع «داعش»، أي عرسال وجردها بما هو ساحة عسكرية مفتوحة على شتى الاحتمالات.

كل ما عدا ذلك لبنانياً، لا أولوية له في الخارج، ولذلك تستمر الحكومة بكل تناقضاتها، ويطمئن المجلس النيابي للتمديد الآتي، برغم مزايدات الترشيحات، أما باقي الأزمات، فيمكن معالجتها بالمسكنات، من المالية العامة للدولة إلى الماء والكهرباء مروراً بالسير ومواسم المدارس والجامعات و«السلسلة»، فضلاً عن الملف الأخطر، ألا وهو ملف النزوح السوري.

في هذه الأثناء، ظلت قضية انخراط لبنان في التحالف الاميركي الخليجي ضد تنظيم «داعش» محور اهتمام من زاوية ما بعد تشكيل «المحور»، وليس من زاوية التشكيك بمنطلقات لبنان الذي يدفع أثماناً غالية في مواجهة ارهاب حاول وما يزال جعل البلد ساحة من ساحاته، بالتفجير والانتحاريين والخلايا النائمة والهجمات الصاروخية واحتلال منطقة لبنانية معينة قبل أن يتمكن الجيش من تحريرها، وإقفال آخر معابر المسلحين باتجاه بلدة عرسال قبل ساعات من بدء اجتماع جدة.

بدا واضحاً منذ البداية أن لبنان قرر الوقوف عند حافة تحالف وضع اجتماع جدة ركائزه الأولى، على أن يستتبع الاثنين باجتماع دولي في باريس تحضره الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الامن بمشاركة لبنان ايضاً، لكن ما ينبغي طرحه من اسئلة لا يتعدى حدود قدرة لبنان على الانخراط ضمن هذا التحالف، أي تحديد الدور المطلوب منه، ومحاولة استكشاف طاقته وقدرته على القيام به، ومن ثم سبل حماية البلد بكل تركيبته الهشة وتعقيدات بيئاته وتعدد اللاعبين فيه؟

التجربة مع الأميركيين في المنطقة، وخصوصاً بعد احتلال العراق لا تشجع على قراءة موقف واشنطن بنية حسنة، ولا يخفى على أحد أن الأميركيين يقاربون حربهم على «داعش» من زاوية مصالحهم المباشرة وغير المباشرة في المنطقة، وهذا هو حال معظم دول الخليج، وخصوصاً السعودية، أما الدول الأخرى، وخصوصاً الأردن ومصر وتركيا، فقد حاولت صياغة مواقف تنسجم ومصالحها بالدرجة الأولى.

فالأردن الذي يواجه ضغطاً داخلياً من الاسلاميين لم يقدم التزامات نهائية، أما مصر، فقد أعلنت أن مشاركتها في اجتماع جدة لا تلزمها بأية مشاركة عسكرية، وقرر الأتراك، برغم الضغط الأميركي، التحفظ على أية مشاركة عسكرية من جهة، وعدم إجازة استخدام أراضيهم منطلقاً لأية أعمال تستهدف «داعش». هنا تصبح الحكومة اللبنانية بكل مكوناتها معنية بتقديم أجوبة حول منسوب المشاركة اللبنانية في الحرب الكونية ضد «داعش»، خصوصاً في ظل قرار استثناء دول اساسية كروسيا وإيران من الجلوس الى طاولة اجتماع جدة.

يأتي ذلك أيضاً في ظل ما أفصحت عنه مصادر مطلعة عن زيارات عدة قامت بها وفود اميركية الى بيروت في الآونة الأخيرة، وتخللها طرح أسئلة حول طبيعة انخراط لبنان في الحرب ضد «داعش»، خصوصاً بعدما نجح الأميركيون في إبرام صفقة مع رئيس «تيار المستقبل» سعد الحريري تصل الى نحو 200 مليون دولار، من ضمن هبة المليار دولار المخصصة لتسليح الجيش وباقي القوى الأمنية، تشمل تزويد الجيش بطائرتي «سيسنا» جديدتين مع ذخائرهما من صواريخ «هيلفاير» (استخدمت طائرة و9 صواريخ في مواجهات عرسال)، وطائرة أو أكثر من طراز «امبراير أي ام بي توكانو» على أن تزود بصواريخ هجومية تقتصر على الأهداف الأرضية من علو شاهق، فضلا عن طائرات مروحية لنقل الجنود وغيرها مما كان طلبه لبنان في اطار المساعدات الأميركية للجيش (مناظير ليلية ومدافع «هاون» وصواريخ محمولة مضادة للدروع وقناصات وأسلحة رشاشة متوسطة).

وقالت المصادر إن تجربة السنوات الثلاث الأخيرة، بيّنت أن الأميركيين كانوا حريصين بالمعنى الأمني على عدم حجب أية معلومة أمنية تصل الى أجهزة استخباراتهم في كل أمر يتعلق بالأمن الوطني اللبناني، بما في ذلك أمن «حزب الله» وجمهوره، وهناك أدلة كثيرة لعل أبرزها الكشف عن محاولة تفجير مطعم «الساحة» في مطلع الصيف (خلية «ديروي»).

وأكدت المصادر ان السفارة الاميركية ابلغت مراجع سياسية وأمنية لبنانية ان واشنطن مهتمة باستقرار لبنان «اكثر من اي وقت مضى»، وأن الولايات المتحدة «معنية بالوقوف الى جانب لبنان في معركته ضد الارهاب»، وأنها «عازمة على تزويد الجيش اللبناني بما يلزم من سلاح وذخائر وأعتدة في حربه ضد الارهاب «وثمة شحنات من السلاح ستصل تباعاً وآخرها وصل يوم أمس الى مطار بيروت».

وفي انتظار تبلور الصورة الحقيقية للتحالف الدولي المزمع عقده، لا بد من طرح الأسئلة التالية:

÷ هل تملك الحكومة اللبنانية رؤية استراتيجية موحدة حيال المشاركة في التحالف الدولي ـ الخليجي؟

÷ اذا كانت الرؤية قائمة، ما هو حجم المشاركة وهل يمكن أن تتعدى حدود لبنان؟

÷ هل يمكن أن يطلب لبنان في لحظة معينة دعماً عسكرياً، وخصوصاً أميركياً، في مواجهة حالة معينة أو بؤرة إرهابية؟

÷ اذا كان الجواب الأميركي إيجابياً، كيف سيكون شكل المشاركة الأميركية طالما هي محصورة بالنسبة للأميركيين عند حدود الغارات الجوية؟

÷ هل يمكن للبنان أن يشرِّع مطار عاصمته أو مطارات رياق والقليعات وحامات للطائرات العسكرية الأميركية؟

÷ لماذا رفع الروس وتيرة اعتراضهم على «تحالف جدة»، وهل استشعروا هدفاً مخفياً للعمليات الحربية، على شاكلة توجيه ضربة خاطفة للنظام في سوريا، وماذا سيكون موقف لبنان من قرار «التحالف» تسريع وتيرة تدريب «المعارضة السورية المعتدلة»، بعدما قرر السعوديون الذهاب الى خيار كهذا على أرضهم مباشرة، في ضوء رفض الأردن ومصر التي صار قادتها يجاهرون بوقوفهم الى جانب النظام السوري؟

÷ كيف يمكن للبنان ان يوفق بين سياسة «النأي بالنفس» عن الازمة السورية، وبين الانخراط في تحالف كهذا؟

÷ اذا اخذت السعودية على عاتقها دفع كلفة هذه الحرب التي قد تزيد عن مئة مليار دولار، ما هو نصيب لبنان، وهل سيقتصر على المليار دولار وما هو مصير هبة الثلاثة مليارات؟

÷ هل تملك المؤسسات العسكرية والأمنية خريطة طريق لما بعد انخراط لبنان في استراتيجية دولية وإقليمية كهذه، وهل يمكن أن تتكامل أدوار هذه المؤسسات ومعها أدوار القوى السياسية.. حماية للبنان أولا؟

في هذا السياق، قال وزير الخارجية جبران باسيل لـ«السفير»: اكدنا للأميركيين ولكل المشاركين في اجتماع جدة اننا معهم في المعركة ضد «داعش» و«النصرة» و«القاعدة»، ولكن اي حرب على «داعش» يجب ان تكون من ضمن احترام سيادة الدول، والقانون الدولي وبرعاية الامم المتحدة، كما ان اي حرب يجب أن تتم عبر الحكومات الشرعية، ومن قبل الجيوش النظامية، والأهم من كل ذلك، عدم استبعاد اية دولة، لأن من شأن ذلك أن يؤدي الى خلل في المواجهة الشاملة.

ورداً على سؤال، اوضح باسيل «ان موقف لبنان هو عدم الدخول في محور دولي ضد محور دولي آخر».

وعما يمكن ان يحققه لبنان من هذه المشاركة، قال باسيل: لا يمكن للبنان ان يغيب، ومشاركته تؤمن له الحماية من «داعش»، وإلى جانب الدعم السياسي له، تؤمن المساعدة للجيش اللبناني تباعاً بالاضافة الى الاستفادة من المعلومات لملاحقة الارهابيين، ومن تجفيف منابع المال التي تمر عبر لبنان، ومن تجفيف المنابع الفكرية والدينية ورفع الغطاء الاسلامي عن كل «الدواعش» في المنطقة وفي لبنان. وأما امتناعنا عن المشاركة فيجعلنا مكشوفين ومعرضين اكثر لتسرب «داعش» من المنطقة الينا.