لبنان يدخل «الفراغ» منتصف الليل في انتظار اقتناع عون بانعدام حظوظه الرئاسية
جعجع مستمر في ترشيحه حتى انسحاب رئيس تكتل «التغيير والإصلاح».. والحريري يواصل حواره مع التيار العوني
بيروت: ثائر عباس
يدخل لبنان منتصف الليلة في «الفراغ الرئاسي» مع انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان وعجز البرلمان عن انتخاب رئيس جديد للبلاد، لتنتقل مطالب السفراء، من ضرورة إجراء الانتخابات في مواعيدها وتفادي الشغور إلى «الفراغ غير الطويل».
ويودع الرئيس سليمان اللبنانيين اليوم في كلمة يوجهها إليهم يضمنها أسفه لعدم قدرة البرلمان على انتخاب خليفة له يسلمه مقاليد الرئاسة التي لم يتسلمها بدورها من أحد كونه تسلم مقاليد السلطة من الفراغ عام 2008، ليسلمها إلى الفراغ بعد ستة أعوام، عانى خلالها من تقلبات المواقف السياسية والصراعات بين قطبي البلاد، فريقي «14 آذار» و«8 آذار» الذي يضم «حزب الله» وحلفاءه. وبعد أن قضى نحو ثلث ولايته من دون حكومة فعلية بينها 18 شهرا من دون حكومة، حيث قضى رؤساء الوزراء الأربعة الذين تعاقبوا في ولايته ما مجموعه 18 شهرا يحاولون تأليف حكوماتهم، آخرها ثمانية أشهر لرئيس الحكومة الحالي تمام سلام.
وبعد «العشاء الأخير» الذي أقامه سليمان ليل أمس للوزراء بعد جلسة وداعية عقدت في قصر بعبدا، سيقام له اليوم احتفال تكريمي في قصر بعبدا، يغادر بعده إلى منزله، تاركا البلاد بعهدة مجلس الوزراء الذي تنتقل إليه صلاحيات الرئيس مجتمعة، لكن تأثيرات الشغور في الموقع ستكون نفسية أكثر منها عملانية، كون هذا المنصب يمثل حصة المسيحيين من السلطة وفقا للتقاسم التقليدي للصلاحيات بين الطوائف اللبناني منذ عام 1945.
وكان الفراغ الرئاسي، نتيجة حتمية لتوازن الرعب القائم بين الطرفين، حيث يمتلك فريق «8 آذار» 57 نائبا وفريق «14 آذار» 54، في حين أن هناك كتلة وسطية مؤلفة من 17 نائبا. وبما أن الدستور اللبناني ينص على أن الرئيس يجب أن يحصل على 65 صوتا على الأقل في دورات الاقتراع الثانية وما بعد، فإن نصه على ضرورة تأمين النصاب من قبل ثلثي أعضاء البرلمان جعل الطرفين قادرين على التعطيل، من دون قدرة أي منهما على تأمين الأصوات الـ65.
ويتواجه في هذه الانتخابات مرشحان قويان من الفريقين، أحدهما معلن هو رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، وثانيهما «مضمر» هو العماد ميشال عون، رئيس تكتل الإصلاح والتغيير المتحالف مع «حزب الله» والذي انخرط منذ فترة ليست بالقصيرة في حوار بدأ سريا وانتهى علنيا مع تيار «المستقبل» الذي يرأسه الرئيس الأسبق للحكومة سعد الحريري. ورغم أن الحريري لم يقل «نعم» لترشيح عون، فإنه لم يقل «لا» أيضا، خلافا للانتخابات السابقة التي سقط فيها ترشيح عون نتيجة فيتو من «المستقبل».
وتقول مصادر وزارية لبنانية واسعة الاطلاع، إن «المستقبل» ماض في حواره مع عون بغض النظر عن الانتخابات، مشيرة لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا الحوار الذي أنتج تأليف الحكومة، والتوافق على بيانها الوزاري وإنجازها تعيينات إدارية واسعة «مستمر»، وهو لا يقتصر على ملف الانتخابات ولا يرتبط بها. وإذا أشارت المصادر إلى أن الحريري كان واضحا في حواره مع عون أنه ليس في وارد التخلي عن حلفائه، أو فرض أي أمر عليهم، خصوصا في الانتخابات الرئاسية، قالت إن الحريري حض عون على التحاور مع بقية الأطراف المسيحية، وطالب جعجع بالمثل. وأوضحت أن الحريري الذي لاحظ أن عون أتاه من بعيد جدا (في إشارة إلى تباعد مواقفهما الكبير سابقا) يدرك أن باستطاعته (عون) أن يتحاور مع جعجع، وبقية حلفائه في «14 آذار».
وشدد المصدر على أن الفراغ يجب ألا يعني انفلاتا في الوضع اللبناني أمنيا وسياسيا، مستبعدا قيام عون بالطلب من وزرائه الاستقالة من الحكومة، كما يشاع. ورأى أن الأجواء الإيجابية يجب أن تستمر. وقالت المصادر إنه ليس من واجب الحريري أن يبلغ عون أن الطريق مقفلة أمامه للوصول إلى قصر بعبدا (انتخابه رئيسا) كما يتمنى بعض الزعماء، وبعضهم من الفريق المتحالف مع عون، مشيرة إلى أن الفراغ مستمر إلى أن يقتنع الفريق الآخر بتقديم مرشح مقبول من الجميع. وأوضحت أن رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لا يزال مرشح قوى «14 آذار» على رغم الفراغ المتوقع في منصب الرئيس، وأنه مستمر في ترشيحه، ولن ينسحب إلا إذا انسحب عون.
وأشارت المصادر إلى أن باستطاعة عون أن يتحول من مرشح إلى ناخب، مما قد يجعل الفراغ طويلا بانتظار اتخاذه قرار بهذا الشأن، وذلك نتيجة التزام حلفائه بمواقفه، وعدم قيامهم بقرارات رئاسية من دونه.
وفي ما يشبه التسليم بالفراغ، زار السفير البريطاني توم فليتشر أمس رئيس البرلمان نبيه بري، عادا أن «الوقت يمر بسرعة على البرلمان لانتخاب رئيس الجمهورية في المهلة الدستورية»، موضحا أن «دورنا ودور المجتمع الدولي هو إزالة العقبات للقيام باتفاق حول الرئاسة داخل لبنان ومن قبل اللبنانيين، وهذا ما حاولنا القيام به، ونحن نؤمن بأن اللبنانيين هم الذين يختارون رئيسهم ونحن نريد شريكا هنا لكي نعمل معه لدعم الأمن والعدالة وتحقيق الفرص للبنانيين». ورأى أنه «على جميع القيادات اللبنانية المسؤولية لإيجاد طرق للعمل سويا من أجل تفادي فراغ طويل»، مشددا على أن «مصلحة الوطن يجب أن تكون أولا. وإن دورنا يبقى لدعم هذه الجهود في تأمين استمرار الاستقرار والجهود الإنسانية». وقال: «إذا مر يوم الأحد الأخير ستكون هناك نكسة للبنان، ولكل الذين يدعمون لبنان، ولكنه لن يكون إخفاقا للشعب اللبناني نفسه وسيبقى يحظى بدعمنا وتضامننا الكاملين».
ودعا حزب الكتائب اللبنانية «نواب الأمة إلى التقاط الساعات الباقية لانتخاب رئيس للجمهورية لأن شغور منصب الرئاسة، عدا عن أنه يعطل دور مكون تأسيسي للكيان والدولة، فإنه يهدد وحدة لبنان لكون رئيس الجمهورية يجسد رمزها. ولا يجوز بالتالي التكيف مع حالة الشغور خوفا من ارتدادات خطيرة على المعادلة الميثاقية والوطن بحد ذاته».
وتوجه الحزب إلى «الشعب اللبناني لحض النواب المقاطعين على القيام بواجبهم المقدس، ولا سيما المسيحيين منهم، فيحضرون إلى المجلس النيابي، ويؤمنون النصاب وينتخبون رئيسا جديدا، وإلا فلا بد للرأي العام من أن يستنهض هممه ابتداء من 25 (أيار) لخلق حالة ضاغطة على كل المعنيين بهذا الاستحقاق الأسمى وإنقاذ الجمهورية».
ودعا إلى «احترام البنود الدستورية التي تجعل المجلس النيابي هيئة انتخابية لا تشريعية، إلى حين انتخاب رئيس للجمهورية، وذلك حسب نص المواد 73، 74 و75 من الدستور. وفي نفس السياق، وتأكيدا لاحترام البنود الدستورية والروح الميثاقية، على الحكومة أن تقوم بدورها في حال الشغور في منصب السلطة التنفيذية، وأن تقوم كذلك بمهام رئاسة الجمهورية، وكالة لا أصالة، لتسريع حصول انتخابات الرئيس».
ودعا وزير الصحة وائل أبو فاعور المقرب من النائب وليد جنبلاط إلى «التوافق على شخصية لرئاسة الجمهورية»، وقال: «نحن كفريق سياسي دعونا وسعينا للوصول إلى الاستحقاق الرئاسي ليكون محطة إلى الوفاق وليس إلى الانشقاق، وللتفاهم وليس للخلاف»، مؤكدا أن «الشغور في رئاسة الجمهورية لا يطال المسيحيين فحسب، بل ينال ويصيب كل الوطن والمؤسسات الدستورية، لذلك آن الأوان لبعض الصراحة وبعض الصدق، ولسلوك خيار الوفاق».