يتلَعثَم بعض المسؤولين وهم يناقشون في مجالسهم الضيقة كواليس الإستحقاق. فهناك كثير من الكيدية دفعتهم الى قرارات بسقوف عالية فباتوا أسراها. غير أنّ أحدهم لا يخفي رأياً يكشف أنّ المواجهة بين الدكتور سمير جعجع والعماد ميشال عون بلغت ما بلغته بفعل «لَعَم» من زعيمَي تيار «المستقبل» و»حزب الله» أبقتهما في المواجهة السلبية. فكيف توصل الى هذه النتيجة؟
يعترف المراقبون السياسيون أنّ جوانب كثيرة من الإستحقاق الرئاسي لم تطفُ بعد على سطح الأحداث. ففي الكواليس السياسية لقوى «8 و14 آذار» معاً حقائق مخفية كثيرة دفعتهما الى المواجهة بسلاحَي ترشيح جعجع وعون بالإنابة عن الفريقين وما يمثّلان من امتدادات اقليمية ودولية قادت الى ما بلغه الإستحقاق من مآزق، توالت فصولها على مدى الأيام التسعة والخمسين من المهلة الدستورية التي عبرت بمحطاتها الإنتخابية الخمسة في ساحة النجمة.
وفي كواليس المرشحَين كلام كبير يُقال في الحلفاء قبل «الأعداء». وقد عبّر بعض وسائل التواصل الإجتماعي واللقاءات الحزبية والسياسية المقفلة عن جوانب منها خصوصاً عقب لقاءات باريس الأخيرة بين جعجع والحريري التي كشفت جوانب من المستور. فعبارات الإتهام والتجريح وعبارات أخرى رائجة تعبّر عن حجم الخيبة، بقيت على كل لسان وشفة. ومهما سعى البعض الى خنقها والإحتفاظ بها بين الجدران الأربعة فقد تسربت الى كواليس الحلفاء. فالخروق المتبادَلة في صفوف الحلفاء موجودة باعتراف الجميع ولا سيما بعدما أتقن البعض لغة الوجهين واللسانين، فعاش ودائع سياسية في بعض المواقع ضماناً لإستمرار أدواره.
ولذلك، لا تخفي أوساط المرشحَين أجواء العتب كلّ على جبهته. في أوساط «القوات» حديث متنامٍ عن «الدعم المتردّد لتيار «المستقبل» في ترشيح جعجع تزامناً مع استمرار خطوط التواصل مع «التيار الوطني الحر» وصولاً الى ما بعده من مشاريع لإدارة شؤون البلد في المستقبل، على خلفية الإقرار، ولو المشروط، باعتبار عون مرشحاً توافقياً يسعى لنيل دعم الحريري جهاراً.
ولا ينسى القواتيون الترحيب الذي لقيه موقف مرشحهم عندما أعلن من بكركي إستعداده للتنازل لأيّ مرشح من «14 آذار»، ما دلّ إلى أنّ الترشيح قد انتج مفاعيله، وأنً هناك حاجزاً يواجهه في المقلب الآخر وضعَ حداً لمسيرة الترشيح على أمل أن يتحوّل من مرشح الى ناخب.
أما في اوساط «التيار الوطني الحر»، فهناك تردّد واضح في قراءة موقف «حزب الله» من ترشيح عون وتشكيك أكبر في مواقف الحلفاء ممَّن التحقوا بتكتل «التغيير والإصلاح» قبل تجميد مشاركتهم في اعماله. ولعلّ ما رفع منسوب الريبة في صدقية الدعم الذي يحظى به عون، تجلّى في مواقف حلفاء – الحلفاء الساعين الى التوافق على رئيسٍ وفاقي يحظى بمفتاح جلسة انتخابية كاملة النصاب.
وهنا يتوقف أنصار عون ليفهموا أنّ دفتر الشروط هذا لا ينطبق عليه، ويتعذّر عليه الفوز به بلا دعم نواب «المستقبل» على رغم كل ما أشيع في أوساط المؤيدين أنّه يضمن الأصوات الـ65، وهو يسعى الى تأييد أشمل يضمن تصويتاً له من الحريري لضمان المكوّن السنّي الى جانب الشيعي والمسيحي.
لم يكن سهلاً على ايّ من الوسطاء إقناع جعجع وعون بأنّ ما يسعيان اليه إصطدم بعوائق حديدية، الى أن جاءت لقاءات باريس الأخيرة لتؤكّد ما كان يُشاع عن أنّ التفاهم الجديد بين عون والحريري سيقف على اعتاب قصر بعبدا. ما انتجه الحوار بينهما من أجل تأليف الحكومة قد انتهت مفاعيله بمجرد تشكيلها، ولرئاسة الجمهورية حسابات أخرى. فقد أثبتت الظروف صعوبة توفيرها لهما وتقلصت حظوظ جعجع ولم تساعد عون على تجاوز ماضيه ومدى الزامه وثيقة التفاهم مع «حزب الله».
وعليه ينتهي المراقبون الى القول إنّ مقتضيات المواجهة السلبية مردها الى المواقف الملتبسة التي عبر عنها «حزب الله» و»المستقبل» وتردّدهما في مصارحة عون وجعجع، فاكتفيا بالتعاطي معهما بـ»لَعَم» أبعدتهما سوياً عن السباق الى قصر بعبدا على الأقل في المدى المنظور. ولكن الى متى؟ ومَن هم المتسابقون الجدد؟