يمكن لشائعة إعلان ترشح رئيس حزب الكتائب أمين الجميل أن تكون مجرّد خبر مختلق يهدف الى شغل القوات ليوم أو اثنين. ولكن سرعان ما تكسب الشائعة مصداقية بمجرد تكرارها وعدم نفي الجهات المعنية لها
لا يكاد رئيس حزب الكتائب اللبنانية أمين الجميّل يطوي مسألة ترشحه بشكل رسمي الى رئاسة الجمهورية حتى يستأنف الحديث بها من جديد، ولو عبر مصادر لا تشير الى الكتائب مباشرة. هكذا بات لا يمر شهر ـــ منذ الشغور الرئاسي ـــ من دون أن يكون لإعلان ترشح الجميل حصة فيه. وما إن ظهر المحفز منذ أسبوعين على شكل «خارطة طريق» رئيس الحكومة السابق سعد الحريري للتوافق والوحدة، حتى انتشرت شائعة عن نية الجميل إعلان ترشحه من جديد. فـ«التوافق يساوي أمين الجميل»، تقول مصادر الكتائب، ولكنها في المقابل لا تؤكد ولا تنفي فرضية وقوف القيادة خلف بالونات الترشيح الدورية، خصوصاً أن «الجميل يتعامل مع هذه المسألة بتكتم شديد».
قد تكون «مبادرة» الحريري الأخيرة مجرّد كلام مكرر لملء الهواء الإعلامي حفاظاً على التقاليد السنوية، الا أن الجميل لم ير فيها سوى «ضوء أخضر له»، يقول المقربون من الشيخ. وعليه، كان جازماً خلال لقائه أحد المعنيين بالملف الرئاسي من قوى 14 آذار بأن «الطريقة الأنسب لتنفيذ هذه المبادرة هي بسحب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ترشيحه».
يؤكد الجميّل
قدرته على الانفتاح عبر علاقاته المتينة بمختلف الأطراف
ولكن، هنا أيضاً اصطدم الجميل بعقدة رئيسية يتمسك بها جعجع وتقول برفضه لأي حلول من خارج مبادرته الخاصة لا مبادرة سعد الحريري: فإما أن يتواجه والنائب ميشال عون مباشرة في المجلس النيابي وليفز الأقوى، وإما أن يرشح كل منهما بالاتفاق مع زملائه مرشحاً من خارج القيادات الأربع أو تتوافق قوى 8 و14 آذار على وجه مقبول ولا يستفزّ أحداً. وتشير مصادر 14 آذار الى أن «أي حديث عن استبدال جعجع بمرشح آخر غير جدّي ما دامت الاحتمالات الثلاثة للحل لم تناقش بعد». لذلك جهد الجميل في إقناع محدثه، تتابع المصادر الكتائبية، بعدم جدوى انتظار تغيير في الموقف العوني وضرورة الانتقال الى مرشحين آخرين من قيادات الصف الأول المسيحية بعد أن استنفد جعجع كل حظوظه». ويمكن البدء تالياً «بدعم الحريري لترشيحه ثم الوزير بطرس حرب إن فشل هو في خرق المشهد الرئاسي». وحرص الجميل على تكرار ما يُسمعه لزواره ويبشّر به حزبييه في مختلف الصالونات السياسية، حول «قدرته على لعب دور الرئيس ـــ الجوكر، من خلال علاقاته المتينة مع مختلف القوى السياسية». وهو ما أخرجه رئيس مجلس الإعلام في الكتائب سيرج داغر الى العلن أول من أمس عند سؤاله عن «لغز» ترشحّ الجميل، قائلاً: «لديه القدرة على التواصل مع أكبر قدر من اللبنانيين، وشخص بقوّته وحيثيته المسيحية يستطيع خوض الانتخابات بقوّة وتحقيق كل ما يخدم المصلحة اللبنانية العامة». لم ينس داغر اتهام جعجع في مقابلته التلفزيونية بعرقلة أي مسعى للتوافق عبر تمسكه بترشيحه، حتى لو لم يقصد ذلك، عبر إشارته الى حديث «الكثير من أفرقاء 8 آذار أنه لو ترشّح الجميل لكنّا نزلنا الى المجلس النيابي وحضرنا». وأحد هؤلاء «الأفرقاء» ليس إلا النائب العوني نبيل نقولا الذي كان قد صرّح قبل ثلاثة أيام بإمكان مشاركة التيار في الجلسة «إذا انسحب جعجع وترشح الجميل. فرئيس حزب الكتائب لديه حظوظ أكثر (…) وليجرّبونا».
يوحي الكتائب وكأن العائق الوحيد أمام دعم قوى 14 آذار لرئيس الحزب هو جعجع نفسه، من خلال التأكيد على عدم اعتراض باقي القوى على هذه المسألة، وبالأخص تيار المستقبل. يتحدثون عن «خوف» قواتي، نقله أحد الأصدقاء المشتركين، من «عقد عون والجميل ـــ في حال ترشح الأخير ـــ صفقة ثنائية لدفن القوات في الشارع المسيحي». ويقضي هذا الاتفاق، بحسب المصدر، بتأمين النصاب لخوض معركة ديمقراطية بين المرشحين المفترضين، على أن ينسحب الجميّل لمصلحة عون. وهكذا يفوز رئيس تكتل التغيير والإصلاح بالرئاسة مقابل الإتاحة للجميّل بلعب دور والده رئيس حزب الكتائب السابق بيار الجميل في عهد الرئيس فؤاد شهاب، أي صانع الرؤساء ورئيس الحزب المسيحي الأقوى». لذلك، «لا يمكن للقوات أن تسمح بهذا السيناريو مهما كلف الأمر، إلا في حالة وحيدة تتمثل في طلب السعودية من جعجع الانسحاب. عندها تكون الصفقة الإقليمية قد نضجت. ولكن حتى الساعة لا إشارات على أي تغيير إقليمي». وفيما تظهر قيادات «المستقبل» وجهاً بشوشاً مؤيداً لطموح الجميل الرئاسي، تبدّل هذه القيادات وجوهها في غياب كتائبيين، لافتة الى «استحالة تبنّي ترشيح الأخير رغم «استماتته» لسببين: الأول تزكية السعودية لجعجع والثاني عدم ثقتها بقدرة الجميل على تحقيق أي تغيير، ساخرة من «تصديقه أحاديث قوى 8 آذار».
وقد يكون السبب الثالث غير المعلن يتعلّق بالفارق بين جعجع والجميل: ففي حين استغل الأول ضعف منظومة 14 آذار لانتزاع قرار التوافق على ترشيحه بالقوة وتصوير نفسه قائداً عليها، آثر الثاني القبول بدور الشريك الضعيف، متجاهلاً حاجة المستقبل إليه حكومياً ونيابياً. الاستثناء الوحيد كان مع بداية بحث اقتراح قانون «اللقاء الأرثوذكسي».
يقول كتائبي «عتيق» إن مشكلة حزب الكتائب الرئيسية لا تكمن في «قوة جعجع الاستثنائية ونفوذه السياسي اللذين يضعان الحريري والسعودية تحت تصرفه، بل في ضعف إدارة الكتائب منذ ترؤس الجميّل لها. وهو إن لم ينجح سابقاً، في عزّ قوته وفي غياب أي منافس فعلي له، في فرض نفسه وحزبه على الساحة السياسية، لن يقلب اليوم ـــ بوجود أكثر من منافس ـــ الطاولة في وجه حلفائه، فارضاً ترشيحه بالقوة».