فيما بات في حكم المؤكد ان الجلسة الانتخابية الثانية لمجلس النواب غدا لانتخاب رئيس جديد للجمهورية لن تلتئم بفعل تطيير النصاب، عكس انتقال حيز واسع من الحركة السياسية والديبلوماسية المتصلة بالاستحقاق الرئاسي الى باريس تصاعد المخاوف من تآكل المهلة الدستورية لانتخاب الرئيس من دون التمكن من انتخابه بما يجعل هاجس الفراغ ماثلاً بقوة في المشهد الرئاسي.
وهو أمر لفت اليه مراسل “النهار” في باريس سمير تويني في ضوء معطيات تفيد ان العاصمة الفرنسية تشهد زيارات لمرشحين للرئاسة والعديد من المتابعين للاستحقاق على النطاقين الداخلي والدولي. وتتخوف باريس من عدم حصول الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية ولا تقف مخاوفها عند حدود الفراغ فحسب بل ما يمكن ان يؤدي اليه من تداعيات خصوصاً ان التأخير في اجرائها قد ينعكس أيضاً على الانتخابات النيابية المحددة في تشرين الثاني المقبل.
وتشهد باريس حركة ناشطة على المستوى اللبناني اذ يفترض ان يكون رئيس الوزراء السابق سعد الحريري قد وصل ليلاً اليها من الرياض وسط معلومات عن لقاء جمعه بعيد وصوله ووزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل الذي انتقل من روما الى العاصمة الفرنسية لهذه الغاية، علماً ان أوساطاً سياسية في بيروت تحدثت عن طابع حاسم لهذا اللقاء في شأن موقف الرئيس الحريري من ترشح العماد ميشال عون. لكن أي معلومات مؤكدة لم تصدر عن الاوساط القريبة من الحريري في شأن هذا اللقاء . كما افاد مراسل “النهار” ان البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي سيصل بدوره اليوم الى باريس في طريقه الى لورد ويتوقع ان يلتقي الرئيس الحريري. وكشف ايضاً ان السفير الاميركي في بيروت ديفيد هيل قام بزيارة خاطفة لباريس في نهاية الاسبوع الماضي وعقد اجتماعات مع مسؤولين فرنسيين.
أما على الصعيد الداخلي، فعلمت “النهار” ان حركة مشاورات واسعة ستجري اليوم عشية الجلسة النيابية المحددة غدا لتظهير موقف القوى التي حاولت انقاذ نصاب الجلسة السابقة من أجل التعامل مع الاحتمالات المرتقبة غداً. في غضون ذلك ابلغت مصادر ديبلوماسية جهات سياسية ان الافاق المتعلقة بالاستحقاق الرئاسي تبدو معقدة بسبب ظروف غير مؤاتية دولية بين الولايات المتحدة وروسيا وغير مؤاتية إقليمياً بسبب التشنج في العلاقات السعودية – الايرانية.
وفي سياق التحضير لجلسة الاربعاء، رأس النائب وليد جنبلاط مساء أمس اجتماع “اللقاء الديموقراطي” في كليمنصو حيث جرى تأكيد المشاركة في هذه الجلسة. وانعقد هذا الاجتماع قبيل عودة الوزير وائل ابو فاعور من السعودية الذي وصل الى بيروت في ساعة متقدمة من الليل. وعلمت “النهار” ان الزيارتين المتتاليتين لابو فاعور للمملكة مردهما الى انه التقى في الزيارة الاولى الرئيس سعد الحريري ثم اجتمع في الزيارة الثانية مع وزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل.
وعشية الجلسة حذّر رئيس حزب “القوات اللبنانية ” سمير جعجع فريق 8 آذار من “جسامة الاستمرار في تعطيل الجلسات”، منبهاً الى ان الاستحقاق الرئاسي “في خطر وقد نصل الى الفراغ والاخطر من ذلك سنكون كمن يستجلب القوى الاقليمية والدولية للضغط والوصول الى رئيس ليس برئيس سيمثل توازن قوى ولن يمثل أي مصلحة لبنانية”.
وأكدت مصادر نيابية بارزة في فريق 8 آذار لـ”النهار” استبعادها انعقاد الجلسة ما دام أي شيء جديد لم يطرأ على الواقع الانتخابي اثر نتائج الجلسة الاولى وما لم يحسم ترشح العماد عون، علماً ان ثمة رصدا لما سيصدر بعد ظهر اليوم عن اجتماع “تكتل التغيير والاصلاح” برئاسة عون الذي يمكن ان يحمل معطيات ودلالات معينة عن لقاء الرئيس الحريري والوزير باسيل .
واسترعى الانتباه في هذا السياق ما أدلى به أمس عضو “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب كامل الرفاعي الى “وكالة الانباء المركزية “ من “أننا سنذهب الى مجلس النواب الاربعاء لكن دخولنا القاعة رهن بتأمين النصاب وحتى الساعة لا تفاهم على مرشح رئاسي يحظى بالغالبية”. وقال: “اننا ملتزمون تبني العماد عون كمرشح رئاسي لكن الاخير يخوض مشاورات داخلية وخارجية تضمن وصوله الى سدة الرئاسة ونحن ننتظر نتيجة هذه الاتصالات وعندما يعلن انه لم يصل الى نتيجة ايجابية سنبحث عن شخصية توافقية”. وأضاف: “الكرة الان في ملعب عون الى حين رد الجواب ونعتقد ان اتصالاته مع الرئيس سعد الحريري لن تصل الى نتيجة جيدة”. ولاحظ ان ثمة اسماء عدة “من الممكن ان تشكل قاسماً مشتركاً بين اللبنانيين بينها حاكم مصرف لبنان رياض سلامة وقائد الجيش العماد جان قهوجي والوزير السابق جان عبيد”.
موجة الاضرابات
في غضون ذلك، انطلقت أمس موجة الاضرابات والاعتصامات النقابية والمطلبية مع اضراب نقابات النقل البري وتجمع اصحاب الباصات والشاحنات والصهاريج في ساحة رياض الصلح. وتتوالى فصول هذه الموجة اليوم مع اضراب هيئة التنسيق النقابية وتظاهرتها الى وسط بيروت . كما ان اعتصامات سينفذها الاتحاد العمالي العام غداً تتزامن مع انعقاد الجلسة الانتخابية لمجلس النواب. ولم تستبعد أوساط قريبة من الاتحاد العمالي ان تتجاوز تحركات المضربين الاطار الاعتيادي لتبلغ حدوداً قد تساهم في تعطيل الحركة العامة وهو أمر أثار الشكوك في توقيت التحرك وتزامنه مع الجلسة النيابية ورسم ظلال تسييس محتمل للتحرك بحيث يشكل ذريعة اضافية لتعطيل الجلسة.
وعقدت اللجنة النيابية المكلفة اعادة درس سلسلة الرتب والرواتب اجتماعاً بعد ظهر امس في حضور حاكم مصرف لبنان، وأكد عضو اللجنة النائب جورج عدوان التزام اللجنة انهاء تقريرها في المهلة المحددة وتقديمه الى رئيس المجلس نبيه بري.