لعلّ الأكثر تعبيراً عن الواقع هو ما كتبه مراسل “النهار” في باريس أمس، وفيه ان فرنسا، التي تتولى ادارة الملف الرئاسي اللبناني، بالتعاون دولياً مع الديبلوماسية الأميركية، واقليمياً مع كل من السعودية والايرانية، تدعو الى التوافق على “مرشح وفاق إجماعي”، وقول السفير السعودي علي عواض عسيري في حديثه الى “النهار” أمس، ” ان المرحلة تتطلب رئيساً توفيقياً قادراً على جمع اللبنانيين …”.
اذاً، ثمة تنسيق دولي بدأ، ولو متأخراً، يقابل بحركة الاتصالات السعودية – الايرانية، والتي لاحت بشائرها، من دون أن تدخل بعد في العمق، الا اذا كانت ديبلوماسية ما تحت الطاولة قطعت أشواطاً.
في الظاهر اشارات تقارب قد تنتج تسويات بعد حين، لكن واقعها الراهن، لا يوفر حلولاً للأزمة السورية، ولا يؤتي للبنان برئيس. فالملف الرئاسي اللبناني ليس الأولوية في السياسة الاقليمية، وتتقدمها مصر وسوريا والعراق واليمن وفلسطين…
أما في الداخل، فحسابات غارقة في الخطأ أيضاً. رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع يرى في ترشحه حرقاً لورقة العماد ميشال عون، لإخراجه، وبدء البحث في مرشح ثالث. لكن حساباته لم تزرع السلام في نفسه ولدى حلفائه وغيرهم، الذين يتخوفون من “مفاوضات ما تحت الطاولة” ويتوجّسون من عون، حتى بلغ الأمر بالنائب وليد جنبلاط الى اعتباره جزءاً من الحلم “الكابوس”.
والرئيس أمين الجميل يعتبر نفسه المرشح “الوفاقي” عندما تتراجع حظوظ عون وجعجع، لأنه، وفق حساباته، قادر على استقطاب أصوات لا يمكن أن تصب في صناديق الآخرين. لكنه بعد لقائه عون، كاد أن يصاب بإحباط، لشدة تأثره من “الماكينة الاعلامية” المؤثرة لدى عون.
ويبقى أن عون، الأقرب الى الرئاسة من الجميل وجعجع، بفضل حجمه النيابي، ودعم “حزب الله” له، والغطاء السوري ايضاً، يراهن على تسريع حركة التقارب السعودي – الايراني، بما يحمله الى بعبدا.
لكن الواقع أن عون، الذي يقرأ جيداً، يتحين الفرصة المناسبة، وهو لذلك لم يعلن ترشيحه حتى الساعة، ويتابع بدقة التصاريح والتسريبات والأحاديث عن “رئيس وفاق اجماعي” ورئيس “توفيقي قادر على الجمع”، وهو لا يرى في نفسه هذه المواصفات، بل يدرك أنه غير قادر على إعطاء “تيار المستقبل” ضمانات حيال القرارات الدولية 1559 و 1757 و1701، والاستراتيجية الدفاعية، واعلان بعبدا، وهي كلها محطات اختلاف وخلاف.
بعد كل هذا، هل من الممكن أن تنتج لقاءات باريس رئيساً، أم انها تحرك الماء الراكد في انتظار تطور ما؟