السؤال الذي تردّد صداه في كلّ الأروقة السياسية في اليومين الماضيين تمحوَر حول ما إذا كانت التطوّرات العراقية الخطيرة واحتمالات تمدّدها على دول الجوار ستدفع إلى تسريع التفاهمات اللبنانية-اللبنانية حيال جملة استحقاقات، تبدأ من الانتخابات الرئاسية ولا تنتهي بسلسلة الرتب والرواتب، وما بينهما إعادة إطلاق عجَلة العمل الحكومي والتشريعي، بُغية توفير مظلّات أمان للبنان تؤدّي إلى ترسيخ الاستقرار وتَحول دون انتقال عدوى الفوضى إليه؟ وفي حال اتّخذت الأمور هذا المنحى، فيعني ذلك أنّ لبنان سيشهد انفراجات سياسية تُترجَم بتقصير مرحلة الفراغ ومعالجة الملفّات الخلافية.
فرَض المشهد العراقي نفسَه بنداً أوّلاً في الاهتمامات الدولية والإقليمية والمحَلية، نظراً إلى انعكاساته السلبية على مستقبل العراق والمنطقة برُمّتها، وتأثيراته المحتملة على رسم خريطة الشرق الاوسط مجدّداً. وتوالت الدعوات الى محاربة الإرهاب المتمثل بـ»داعش»، في حين أعلنَ الرئيس الأميركي باراك أوباما أنّه طلب من فريق الأمن القومي إعداد قائمة بالخيارات التي يمكن أن تتّخذها بلاده لمساعدة العراق في وجه تهديدات هذا التنظيم الإرهابي، مُشترطاً أيّ دور عسكري أميركي محتمل بوجوب أن ترافقَه عملية سياسية تُظهر أنّ العراقيّين يمكن أن يعملوا سويّاً. بالتوازي، أعلنَ «البنتاغون» أنّه وضعَ خططاً لشنّ ضربات جوّية في العراق، في حال طلبت منه القيادتان العسكرية والسياسية ذلك، نافياً إجراء محادثات مع إيران بشأن التطوّرات في العراق»
عون
مع استمرار الشغور الرئاسي وتبادُل الاتّهامات بين فريقَي 8 و14 آذار بالتعطيل، يُتوقّع أن تتكثّف المشاورات في شأن الاستحقاق الرئاسي.
وفي هذا الإطار، رجّح مصدر سياسي مطّلع أن يتوجّه رئيس تكتّل «التغيير والإصلاح» النائب ميشال عون الثلثاء المقبل إلى باريس للقاء رئيس تيّار «المستقبل» سعد الحريري، بعدما قدّم موعد حواره المتلفَز من الثلثاء الى مساء الاثنين، والذي سيلامس فيه كافة القضايا المطروحة، ولا سيّما الانتخابات الرئاسية. وكانت مصادر مطلعة كشفت لـ»الجمهورية» أنّ الحوار بين تيّاري «المستقبل» و»الوطني الحر» سيُستَأنف علناً قريباً.
وقالت إنّ أصدقاء مشتركين يعوّلون على بعض المقترحات التي يمكن أن تحيي الحوار بين الطرفين. لكنّ هذه المصادر رأت أنّ إحياء الحوار لا يعني أنّ «المستقبل» سيضمّ أصواته إلى رصيد عون الرئاسي، وتحدّثت عن مخارج أخرى لهذا المأزق.
الحريري – أبو فاعور
وكان الحريري استقبل في مقرّ إقامته في الدار البيضاء في المغرب وزير الصحة وائل ابو فاعور، موفداً من النائب وليد جنبلاط الذي جرى اتّصال هاتفيّ معه خلال اللقاء، وتمّ الاتفاق على لقاء بين الحريري وجنبلاط في موعد يحدَّد لاحقاً.
وقال مصدر قريب من جنبلاط لـ»الجمهورية» إنّ الأخير أعلن مراراً أنّه لن يصوّت لعون ولرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بسبب حالة الاستقطاب الحادّة التي يمثّلها ترشيحهما، وهو يعتبر أنّ موقع رئيس جمهورية هو موقع جمع بين اللبنانيين لا موقع تكريس انقسام في ما بينهم، ولذلك رشّح النائب هنري حلو انطلاقاً من هذه القاعدة، بما يوفّر مساحة وسطية بين الجميع ويقلّص حجم الاستقطاب السياسي، خصوصاً أنّ خريطة القوى السياسية واضحة في المجلس النيابي، وتظهر أن ليس هناك أيّ فريق يملك الاكثرية النيابية، ولذا فإنّ إنجاز الإستحقاق الرئاسي يحتاج الى تفاهم بين اللبنانيين، خصوصاً في غياب مؤشّرات إقليمية على حصول تقارب معيّن، لا سيّما بين السعودية وإيران، من شأنه تسهيل انتخاب رئيس جمهورية جديد.
واعتبر المصدر أن ثمّة فرصة غير مسبوقة متوافرة للّبنانيين لإيجاد قواسم مشتركة للاتّفاق على انتخاب رئيس جديد، ولذلك هو مستمرّ في ترشيح هنري حلو بمعزل عن عدد الأصوات التي أخذها أو يمكن ان يأخذها، ويعتبر أنّ الترشيح هو رسالة لجميع اللبنانيين مفادُها أنّ في الإمكان التفكير في خيارات خارج الثنائيات الحادّة.
وأضاف المصدر أنّه في ظلّ الزلزال العراقي المستجدّ، لا بدّ من ان يكون هناك حاجز إضافيّ للّبنانيين للاتفاق سريعاً على انتخاب رئيس، فتداعيات هذا الزلزال لن تنحصر في العراق فقط، بل ستمتد الى المنطقة بكاملها، ولبنان لن يكون في منأى عنها في هذه الحال.
وانطلاقاً من كلّ ذلك، يحاول جنبلاط توجيه رسائل في مختلف الاتجاهات للتأكيد أنّ تركيبة لبنان لا تحتمل خيارات مناقضة للخيارات التسووية، وهو لذلك لمّح مراراً إلى إعادة تعريف مفهوم الرئيس القوي، مستشهداً بتجارب رؤساء لم يملكوا كُتلاً نيابية كبيرة أو حيثيات شعبية واسعة، ولكنّهم تركوا أثراً كبيراً على المستوى الوطني.
ولفتَ المصدر إلى أنّ قناة الاتصال بين جنبلاط وبرّي مفتوحة دائماً بحثاً عن مخارج للأزمة، وأكّد أنّ برّي يشكّل صمام أمان للبنان واللبنانيين، وهو يسعى جاهداً أيضاً على طريقته لإنضاج تسوية رئاسية معينة
إتّصالات عون
وسط هذا المشهد، لفتت أمس الاتصالات الهاتفية التي أجراها عون مع كلّ من البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، وقائد الجيش العماد جان قهوجي للتعزية بوفاة صهره، وجعجع للتعزية بوفاة والده.
وفيما ذكرت المعلومات الرسمية أنّ عون عرض في اتصاله مع الراعي للأوضاع العامة، لا سيّما الاستحقاق الرئاسي، علمت «الجمهورية» أنّ هذا الإتصال هو الأوّل بين الرابية وبكركي منذ عودة البطريرك من زيارته الأخيرة الى الأراضي المقدسة، وأنّ الحديث تناول الوضع الراهن في ضوء الشغور الرئاسي والمواقف من مسائل وطنية عدة مطروحة راهناً. وفي المعلومات أنّ اتّصال عون بالراعي جاء في إطار بداية التواصل حول طرح بكركي الأخير، والمتمثل بعقد لقاء مصارحة ومصالحة بين عون وجعجع برعايتها، على أن يُستكمل بمصالحة مارونية موسّعة، وإذا أمكنَ الذهاب نحو مؤتمر وطني. وقد لاقت هذه المبادرة تجاوباً من «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية»، لكنّها تحتاج بدايةً إلى كسر الجليد بين جعجع وعون وبناء الثقة المفقودة بينهما. وتأمل بكركي في أن يفتح اللقاء بين الطرفين الطريق الى تفاهم في موضوع انتخاب رئيس جمهورية جديد.
وفي الحراك الذي تقوم به البطريركية المارونية، أوفدَ الراعي أمس الى رئيس مجلس النواب نبيه برّي الآباتي أنطوان خليفة.
فنيش
وفي انتظار أن يحدّد رئيس الحكومة تمام سلام موعداً للجلسة المقبلة لمجلس الوزراء لاستكمال البحث في تنظيم عمل المجلس في فترة الشغور الرئاسي، أشادَ وزير الدولة لشؤون مجلس النواب محمد فنيش بأداء سلام وبدوره ومواقفه وحرصِه على التوافق وعدم حصول أيّ خلاف، ما شكّل مناخاً ملائماً جداً للوصول الى تفاهم، وإلى استمرار عمل الحكومة.
وقال فنيش لـ«الجمهورية»: أعتقد أنّ هذه الروحية التي تحكم أداء سلام هي الضمانة لكلّ القلقين، بعدم حصول خلاف يؤدّي الى شلّ الحكومة، والمطلوب اليوم استكمال هذه الأجواء الايجابية وصولاً الى تفاهم.
وعن آلية تنظيم عمل الحكومة، قال فنيش:» هناك نقاش وحوار ووجهات نظر، وأعتقد انّ الامور اصبحت ناضجة، وهي تحتاج فقط الى لمسات اخيرة، لكنّ الاهم من ذلك هو أنّه ليس هناك نيّات سلبية عند أحد، وإنّما استعداد جدّي للتعاون والحفاظ على التفاهم الحكومي».
من جهة ثانية، اعتبر فنيش أنّ ما يقوم به تنظيم «داعش» في العراق اليوم، وما قام به في سوريا، كنّا نبّهنا منها منذ زمن. فبعض الدول التي استخدمت هذه التيّارات استخفّت بخطورتها وبتفكيرها الذي لا يحمل بناء مجتمع، بل مشروعها هو مشروع قتلٍ وتخريبٍ وتدميرٍ وسفكِ دماءٍ حتى لأبناء مذهبها وكلّ مَن يخالفها الرأي. فهذا الخطر تمّ السكوت عنه وتوفير كلّ أسباب الدعم له والاحتضان، فاستفادت هذه التيارات بالتالي من المواقف السياسية لهذه الدول والقوى، وبدأنا اليوم نرى ثمار هذا الزرع الذي هو «داعش»، من خلال التيارات الممتدة من العراق وجزء من سوريا وغداً ستمتدّ الى دول أخرى، وبالتالي هذا هو المشهد السياسي المقلق الذي كنّا نُنبّه منه، والذي تجاوزنا في لبنان مراحلة الصعبة، من خلال دور المقاومة التي تصدّت لهذه الأدوات، وحالت دون تمكينها من بسط السيطرة على الحدود بين سوريا ولبنان. وأضاف فنيش: «لقد دفع لبنان عنه خطورة هذه المجموعات إلى حدّ كبير، ويبقى سياسياً تحصين البلد وعدم السماح باستغلال أيّ خلاف،
وعدم توفير بيئة حاضنة لهذه المجموعات أو تمكينها من العبث بأمن البلد. وهذا يتطلّب من الجميع الاهتمام بتفعيل عمل المؤسسات، وأن يعيد البعض النظر في مواقفه ورهاناته، وعدم التعويل على امكان إحداث أيّ تغيير في ميزان القوى في المنطقة أو في لبنان من خلال هذه التيارات الخطرة التي لا يمكن أن ينتج عن أعمالها أيّ خيرٍ لأحد، حتى للّذين يعوّلون عليها ويبنون حساباتهم على نتائج أعمالها».
الجلسة التشريعية
إلى ذلك، تتواصل الاتصالات بعيداً من الأضواء لمعالجة موضوع سلسلة الرتب والرواتب.
وتحضيراً للجلسة التشريعية المقبلة يوم الخميس في 19 حزيران الجاري، سُجّل حراك لافت على خط الرابية ـ عين التينة، بعد الزيارة الأخيرة لعون الى رئيس مجلس النواب نبيه برّي منذ نحو عشرة أيام.
كنعان
وفي هذا الإطار، زار رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان عين التينة. وبحثَ مع بري، بحضور وزير المال علي حسن خليل على مدى ساعتين، موضوع السلسلة، والعمل على إقرارها، إضافةً إلى العمل التشريعي والحكومي والاستحقاق الرئاسي. كذلك اتصل برئيسة لجنة التربية النائب بهية الحريري وأطلعَها على نتائج اللقاء، واتّفقا على لقاء يعقد بينهما الاثنين المقبل في مجلس النواب. ثمّ وضع كنعان عون في أجواء لقاءاته واتصالاته. وأكّد كنعان لـ»الجمهورية» أنّ زيارته تأتي «في إطار السعي الى محاولة إخراج القضية الاجتماعية المأزومة من الحلقة المفرغة التي تدور فيها». ووصفَ إجتماعه مع بري بالبنّاء والجيّد، وقد «طرَحتُ خلاله أفكاراً مفيدة في موضوع السلسلة، ولمسنا تجاوباً لافتاً منه حول بعض الافكار التي تمّ التداول بها، والتي تنطلق من اعتبار أنّ مسألة الأرقام يجب ان تستند الى مرجعية مالية رسمية، وفي حالتنا الحاضرة وخصوصاً في ما يتعلق بالكلفة والإيرادات، فهي يجب ان تكون لدى وزارة المالية. أمّا الخيارات الأخرى المتعلقة بالواردات وبحقوق المعلمين والعسكر فيجب أن تُبنى على خلفية حقوقهم من ناحية والإمكانات من ناحية ثانية».
سلفة موَقّتة
وعلمت «الجمهورية» من مصادر واسعة الإطّلاع أنّ ثمّة مشروعاً يشقّ طريقه إلى النقاش عبر دوائر ماليّة واقتصادية قبل أن يدخل الى حلبة الكتل النيابية والنقابية، يقضي بإعطاء العسكريين والموظفين والمعلمين والذين يمكن أن يستفيدوا من السلسلة، سلفةً ماليّة تُعتبر كجزء من الزيادة على الأجور بنسبةٍ تتراوَح بين 20 و25 %، على أن تُحتسب لاحقاً من ضمن التعديلات المقترحة على مشروع تعديل السلسلة في مرحلة يمكن معها البحث عن مواردها، والتي تخضع للدرس من باب اعتبارها إصلاحاً شاملاً. ويشترط المشروع عدم المَسّ من اليوم بدوام العاملين في الوزارات والقطاعات الرسمية والمؤسسات العامة والهيئات المستقلة الى أن يتمّ انتخاب رئيس جمهورية جديد، والوصول الى مرحلة متقدّمة من الإستقرار التي تسمح بالبحث جدّياً عن موارد السلسلة كما هي مطروحة اليوم.
إلّا أنّ بعض الذين اطّلعوا على المشروع تحدّثوا عن إمكان البحث ببعض المقترحات التي أجمعَ عليها طرفا النزاع حول السلسلة، والتي تزيد من موارد الخزينة، لا سيّما على مستوى الرسوم الجمركية التي يمكن تعديلها على بعض الكماليات التي لا تمسّ السوق الخاصة بالمستهلكين من ذوي الدخل المحدود والمتوسط في المرحلة الراهنة، وعلى أن تترافق مع خطة يتمّ من خلالها تفعيل المراقبة على الأسعار وضبطها ضمن الحدود الممكنة، فلا يفقد المشروع أهمّيته ونتائجه الإيجابية في تحسين أوضاع العاملين في القطاع العام، وتتبخر هذه الزيادة الإستثنائية قبل دخول مردودها إلى جيوب الموطنين.