تظاهرة «التنسيق» الحاشدة تحمي «السلسلة»
لقاء باريس: «وصفة حريرية» لا تقنع «الجنرال»!
إذا كانت هيئة التنسيق النقابية قد نجحت مجدداً في اختبار الشارع، من خلال التظاهرة الحاشدة التي نظمتها أمس دفاعاً عن سلسلة الرتب والرواتب، فإن مجلس النواب سيفشل مرة أخرى اليوم في اختبار الاستحقاق الرئاسي، حيث سيحول تطيير نصاب الثلثين، لغياب التوافق على اسم الرئيس، دون عقد الجلسة الانتخابية المقررة عند الثانية عشرة ظهراً، ما يهدد بنشوب معركة جانبية حول مشروعية تعطيل النصاب أو عدمها.
وبينما يبدو البعض ميالاً الى التلهي بنظريات النصاب، يواصل العماد ميشال عون والرئيس سعد الحريري خوض «مغامرة» السعي الى تفاهم رئاسي، حيث عقد أمس في باريس لقاء بين الحريري ووزير الخارجية جبران باسيل، ترافق مع إعلان «كتلة المستقبل» مضيها في دعم ترشيح سمير جعجع لرئاسة الجمهورية.
ووفق مصادر واسعة الإطلاع، فإن العماد عون كان قد استأذن حلفائه، بأن يسعى الى توسيع مروحة مشاوراته الداخلية والخارجية، سعياً الى تكريس نفسه مرشحاً توافقياً وليس تصادمياً، معتبراً أن المعبر الإلزامي لذلك هو قرع أبواب السعودية والرئيس سعد الحريري، وبالفعل، لقي عون كل تشجيع، على قاعدة أن خيارات قوى «8 آذار» محصورة بين ميشال عون أولاً وسليمان فرنجية ثانياً.
وقالت المصادر لـ«السفير» إن عون عاد من اللقاء الأول مع سعد الحريري بأجواء إيجابية ومشجعة، وأنه يمكن ان يكون مرشحاً أساسياً لرئاسة الجمهورية، بالتفاهم مع «المستقبل» و«حزب الله».. وعندها لا يبقى هناك من موجب لكل من يسعون الى لعب دور «بيضة القبان» هنا أو هناك، في اشارة مبطنة الى الرئيس نبيه بري والنائب وليد جنبلاط تحديداً، خصوصاً في ظل ما تسرّب منذ شهور عن مجاهرتهما بدعم ترشيح النائب السابق جان عبيد لرئاسة الجمهورية.
وأشارت المصادر الى أن الحوار لم يتوقف منذ حوالي الأربعة أشهر بين عون والحريري سواء بشكل مباشر (عبر الهاتف) أو من خلال مساعديهما الوزير جبران باسيل ونادر الحريري، وقد حاول عون أكثر من مرة طرق أبواب السعودية، غير أن المملكة التي كانت تجيبه بإبداء الاستعداد لاستقباله، رفضت توجيه دعوة رسمية له وبدت وكأنها تحاذر توجيه اية إشارة إيجابية حتى لا تحصل الزيارة ويُساء تفسيرها لبنانياً، خصوصاً من قبل الحلفاء المسيحيين للرئيس الحريري.
وعندما طرحت فكرة اجتماع عون بالحريري ثانية في السعودية، بدا أن لا أحد في السعودية يريد أن يتحمّل وطأة زيارة كهذه، وما يمكن أن يترتب عليها سلباً أم ايجاباً، فكان القرار بأن يعقد اللقاء بين رئيس تيار المستقبل وباسيل في العاصمة الفرنسية، وتحديداً في دارة الحريري بحضور نادر الحريري عن «المستقبل» والوزير الياس ابو صعب عن «تكتل التغيير».
الحريري ـ باسيل: استمرار التشاور
ونقلت قناة «المستقبل» في نشرتها الإخبارية، قبيل منتصف ليل أمس، عن «مصادر سياسية» أن اللقاء استمر ساعتين وتناول مجمل التطورات السياسية في لبنان والمنطقة ولا سيما الاستحقاق الرئاسي، وتركز البحث على الجهود الرامية لمنع الفراغ وإجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، وتمّ التفاهم على توسيع الاتصالات لتشمل الفرقاء الآخرين حتى يتاح إنجاز الاستحقاق الدستوري في موعده.
وتابعت المصادر نفسها أنه جرى التطرق خلال اللقاء بين الحريري وباسيل الى مرحلة الانفتاح والحوار بين «تيار المستقبل» و«التيار الحر»، وحصل تقييم إيجابي للتعاون الذي بدأ بين الجانبين قبل تشكيل الحكومة الحالية، كما تم التطرق الى الاستحقاقات التي واجهتها حكومة الرئيس تمام سلام حتى الآن «وتم الاتفاق على متابعة المشاورات والاتصالات».
ووفق مراقبين متابعين للقاء الباريسي، فإن الجانبين لم يتقدّما الى الأمام، وفي الوقت نفسه، تركا الأبواب مفتوحة، واتفقا على تعميم أجواء إيجابية من نوع الاتفاق على تفادي الفراغ والاستحقاق في موعده، غير أن النقطة الأهم، تتمثل في قرار «المستقبل» بعدم إقفال أبواب الحوار مع عون، خصوصاً أن تجربة الشهور الأخيرة، كان مردودها إيجابياً للجانبين، ولو بدرجة أكبر بالنسبة الى «المستقبل»، فيما كان عون يلحّ على الحريري لإعطاء جواب نهائي من قضية ترشيحه وتحديداً قبل جلسة اليوم، وهو الأمر الذي حاول رئيس «المستقبل» التهرّب منه عن طريق ابتداع صيغ لفظية، خصوصاً مطالبة عون بتوسيع مروحة اتصالاته لتشمل «القوات» و«الكتائب» ومسيحيي «14 آذار» حتى يُصار الى تبني ترشيحه من هؤلاء، طالما أن الاستحقاق الرئاسي مسيحي بامتياز، وبالتالي نفضل أن نترك لحلفائنا المسيحيين أن يقرروا في هذا الشأن!
وكان لافتاً للانتباه ان الحريري ردد أكثر من مرة خلال اللقاء أن لا «فيتو» شخصياً على ترشيح عون للرئاسة طالما أنه يقدم نفسه مرشحاً توافقياً مستقلاً، ولكن ذلك لا ينفي حاجة فريقنا السياسي للحصول على ضمانات وتطمينات من «حزب الله» لا يستطيع أن يوفرها إلا «الجنرال».
وأشار المتابعون الى أن الكرة باتت في ملعب عون الذي سيضع حلفاءه في أجواء مشاوراته مع الحريري قبل أن يقرر ما إذا كان سيستمر في خيار الانفتاح على مسيحيي «14 آذار» و«المستقبل»، علماً أن أجواء المقربين من عون كانت تشي ليلاً بعدم الاقتناع بما قدمه الحريري خلال لقاء باريس.
وفي موازاة ذلك، ينتظر أن يصل الى باريس البطريرك الماروني بشارة الراعي لإجراء مشاورات مع مسؤولين فرنسيين والرئيس الحريري تتمحور حول الاستحقاق الرئاسي، فيما تردد أن السفير الأميركي ديفيد هيل سيزور العاصمة السعودية هذا الأسبوع للتشاور في موضوع الاستحقاق الرئاسي، علماً أن نائب مساعد وزير الخارجية الاميركية لشؤون الشرق الأدنى لورنس سيلفرمان سيزور العاصمة الفرنسية للقاء مسؤولين فرنسيين في الأليزيه والـ«كي دورسيه» ووزارة الدفاع للتباحث في الاستحقاق الرئاسي والهبة السعودية للجيش اللبناني عن طريق فرنسا.
جلسة.. مبتورة
وعلى مقربة من ساحة رياض الصلح التي احتضنت صرخة النقابيين، سينفرط اليوم في ساحة النجمة عقد المحاولة الثانية لانتخاب رئيس الجمهورية، مع قرار تكتل التغيير والاصلاح والعديد من حلفائه في فريق « 8 آذار» بعدم تأمين نصاب «جلسة عبثية» يريدها رئيس حزب القوات اللبنانية لاستمكال الـ«شو» او «الاستعراض» الانتخابي، في حين انها لن تكون منتجة على مستوى انتخاب الرئيس، لتعذر التوافق حتى الآن على هويته.
وفيما أكدت مصادر بارزة في «8 آذار» لـ«السفير» ان تعطيل النصاب هو حق ديموقراطي ومشروع، قال الرئيس نبيه بري أمام زواره إن كتلة التنمية والتحرير ستشارك في جلسة الانتخاب اليوم، التزاماً بما سبق لي ان أعلنته، وهو اننا سنكون أول من يدخل الى القاعة وآخر من يخرج منها.
وأضاف بري: في حال عدم اكتمال النصاب بعد مضي نصف ساعة على موعد الجلسة، سأرفعها الى موعد آخر.
لكن بري كرر التأكيد أن دوره لن يقتصر على تكرار المواعيد، من دون طائل، مشيراً الى انه اذا استمرت المراوحة قد يبادر قريباً الى القيام بتحرك سياسي، لاسيما أننا نقترب شيئاً فشيئاً من حافة انتهاء المهلة الدستورية في 25 أيار.
واعتبر بري أن اكتمال النصاب يحتاج الى توافق، والتوافق ينتظر نتائج المشاورات بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل، ولا شيء ملموساً على هذا الصعيد حتى الآن، علماً انه حتى لو حصل تفاهم بين الجانبين، فإن تظهيره ومن ثم تسويقه لدى الحلفاء يتطلبان وقتاً.
وأكد بري أن نصاب جلسة الدورة الثانية هو ثلثا عدد النواب، وهذا أمر محسوم وغير قابل للنقاش، ولا أحتاج إلى دروس في القانون من البعض في هذا الإطار.
وأوضح بري انه طلب من واشنطن عدم التدخل في الاستحقاق الرئاسي، «لأنني مصرّ هذه المرة على أن تأخذ اللبننة مداها»، مشيراً الى انه تبلغ من الاميركيين موقفاً واضحاً قوامه ان الولايات المتحدة ليست مع مرشح بعينه ولا تضع فيتو على أي مرشح، والمهم بالنسبة اليها إجراء الانتخابات ضمن المهلة الدستورية.
التظاهرة النقابية
في هذه الأثناء، نجحت «هيئة التنسيق النقابية» في إعادة تزخيم صفوفها، في استعادة لحراكها «الشعبي» الذي غاب منذ الزحف الكبير نحو القصر الجمهوري في 21 آذار العام 2013.
وأثبتت الهيئة مرة أخرى، أمس، ان نَفَسها طويل، تماماً كما أن باعها طويل في المعارك النقابية. ومن شاهد الآلآف المتدفقة أمس في بعض شوارع العاصمة تأكد من ان قواعد «هيئة التنسيق» لا تزال تحتفظ بحيوية عالية وبلياقة نضالية مرتفعة، وأنها مصممة على المضي في معركتها «المصيرية» دفاعاً عن حقوقها ورفضاً لسلسلة رتب ورواتب مشوّهة، برغم كل محاولات إحباطها او تطويعها.
ولم تنفع الضغوط في ثني «هيئة التنسيق» عن تحركها، إذ كان الإضراب ناجحاً الى حد كبير، فيما حضر آلاف المعلمين والموظفين من مختلف المناطق، إلى العاصمة، للمشاركة في تظاهرة «الكرامة والدفاع عن الحقوق».
وكشف نقيب «المعلمين في المدارس الخاصة» نعمه محفوض لـ«السفير» عن أنه تلقى اتصالاً هاتفياً من المنسق الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي أبدى فيه اهتمامه بما يحصل، ومعتبراً أنه يوم عظيم في لبنان.
وينفذ المجلس التنفيذي لـ«الاتحاد العمالي العام» إضراباً عمّالياً اليوم، يرافقه اعتصام بدءاً من الحادية عشرة قبل الظهر في ساحة رياض الصلح، علماً أن هيئة التنسيق أكدت ان الإضراب لا يشمل المدارس الرسمية والخاصة.