IMLebanon

لقاء جدّة… والترياق للعراق..؟

يبدو أن الحرب المستعرة في العراق، تسير على إيقاع الحرب المستمرة في سوريا: اجتياحات سريعة ومواجهات قاسية، قصف وتفجيرات عشوائية، لا ترحم البشر ولا الحجر، نزوح المدنيين الأبرياء من مدنهم وقراهم بأحجام قاربت المليون نازح عراقي، خلال أقل من أسبوعين.. إلى آخر تفاصيل المشهد السوري، الذي يتكرر على أرض بلاد الرافدين!

وكما أن الحرب السورية دخلت عامها الرابع، من دون أن تظهر بوادر واضحة للحسم، ووضع حدّ للمعارك المتنقلة بين الأنحاء السورية، فإن الحرب الملتهبة حالياً في العراق مرشحة للاستمرار بضعة أشهر، وقد تستمر سنوات أيضاً، إزاء عجز حكومة بغداد عن صدّ هجمات «داعش» ومن ركب موجتها من المجموعات العراقية المهمّشة، وخاصة أهالي الأنبار، وفي الوقت نفسه عدم قدرة الطرف الآخر على حسم المعركة لصالحه، نظراً لقدراته البشرية والتنظيمية والتسليحية المحدودة.

وأيضاً على المنوال السوري، من غير المتوقع أن تبقى النيران العراقية محصورة داخل بلاد الرافدين، بسبب التداخلات والتشابكات الإقليمية والدولية، إياها التي أدّت إلى تمديد أمد الحرب السورية وتورّط أكثر من طرف خارجي في خوض حروبه على الأرض السورية، وبواسطة الأطراف السورية المتحاربة نفسها!

 * * *

ومَن يقترب أكثر فأكثر من التطورات المتسارعة في العراق، يتبدّى له أن طهران تكاد تكون محاصرة في النارين: السورية والعراقية، بحكم تحالفها الوثيق مع الرئيس بشار الأسد في دمشق، ونوري المالكي في بغداد، ومكانة النظامين السوري والعراقي في الاستراتيجية الإيرانية الاقليمية، والتي حققت لها هذا التمدّد غير المسبوق داخل عدد من الأقطار العربية، ووصلت من خلالها إلى البحر الأبيض المتوسط ، على حدّ اعتراف الجنرال رحيم صفوي أحد قادة الحرس الثوري الإيراني السابقين.

وهذا يعني أن إيران مرشحة للعب دور داعم للنظام العراقي، أو بالأحرى لحكومة المالكي، كما دعمت النظام الحالي في سوريا، الأمر الذي يجعلها طرفاً في «لعبة الأمم» المحتدمة حالياً في المنطقة، ولعل هذا ما تسعى إليه طهران منذ قيام حكم الملالي: اعتراف عربي ودولي بدور إيراني على مستوى الإقليم.

وحيث لم تعد الورقة الفلسطينية كافية لتأمين هذا الدور المنشود، وذلك لألف سبب وسبب، لا مجال للخوض في تفاصيلها في هذه المقالة، كان التركيز الإيراني في السنوات الأخيرة، على ملفات عربية أكثر إثارة، وأشد تعقيداً، تبلور في الاختراقات الإيرانية داخل أكثر من نظام عربي، وفي تعزيز النفوذ الإيراني في أكثر من دولة عربية، من خلال استنفار المشاعر المذهبية، والضرب على وتر الحساسيات السنية – الشيعية.

في الأشهر الأولى لاندلاع الحرب في سوريا، أكد الإمام الخامنئي في أكثر من مناسبة، أن نظام الأسد لن يسقط ، وأن إيران لن تسمح بإسقاط الأسد، وهكذا كان لم يسقط النظام، ولكن الحرب مستمرة في سوريا، من دون ظهور أي بوادر لحل سياسي في المدى المنظور.

بالأمس، سمعنا مواقف إيرانية مماثلة، تؤكد التمسك بنوري المالكي، لولاية ثالثة، رغم تداعيات سياسة التهميش والإقصاء التي انتهجها في الولايتين السابقتين، وأدت إلى اندلاع المعارك الحالية، مما يعني أن العراق دخل في نفق حرب أهلية جديدة، من الصعب الخوض في مسارها وتداعياتها الآن.

 * * *

في خضم هذه الأجواء السوداء المدلهمة في الإقليم، لمعت فجأة بارقة نور، تستحق الرهان عليها، في حال سارت الأمور في مجراها الطبيعي.

إنها الزيارة المهمة التي قام بها وزير خارجية الكرملين سيرغي لافروف إلى جدّة، والمحادثات الطويلة والمعمّقة التي أجراها مع نظيره السعودي الأمير سعود الفيصل، وكبار المسؤولين السعوديين، والتي دارت بالطبع حول ملفات المنطقة الساخنة، بدءاً بسوريا والعراق وانتهاءً باليمن والبحرين.

ولأن التواصل بين الرياض وطهران ما زال منقطعاً، مع تعمّد إيران تأجيل زيارة وزير خارجيتها إلى السعودية، إلى ما بعد توقيع الاتفاق النووي مع الدول الغربية، فإن مباحثات لافروف في السعودية تتخذ أهمية مضاعفة، نظراً لطبيعة العلاقة التحالفية القائمة بين موسكو وطهران، الأمر الذي يرجح الافتراض القائل بأن موسكو تفاوض في جدّة، بالتنسيق مع طهران.

فهل يُمسك الكرملين بطرف خيط أزمات المنطقة المشتعلة، في ظل الغياب المتمادي، والارتباك المتزايد في مواقف البيت الأبيض، ويأتي الترياق للعراق من موسكو هذه المرة؟

* * *

رب سائل: أين لبنان من العواصف الهوجاء التي تضرب أنظمة الإقليم؟

 الجواب المُحزن، والذي تزداد آلامه يوماً بعد يوم: إن لبنان ليس على جدول الاهتمامات الإقليمية والدولية حالياً، والطبقة السياسية الحالية أعجز من أن تستطيع معالجة الاستحقاقات، ونزع الألغام لوحدها.. بعدما ثبت إفلاسها بالوجه الشرعي وبالمنطق القانوني!