IMLebanon

لكنْ ماذا عن سورية التاريخ؟

من حق السوريين، لا سيما عشية الانتخابات الرئاسية المقررة في بلدهم يوم 3 حزيران (يونيو) المقبل، أن يطرحوا الأسئلة التي لا تخصهم كأفراد وجماعات يتعرضون للقتل والاعتقال والتهجير بيد نظامهم منذ أكثر من ثلاث سنوات (ملّوا هذا النوع من الأسئلة)، بل تلك التي تتعلق ببلدهم، خصوصاً منها ما يتصل بحاضر هذا البلد ومستقبله السياسي والوطني وربما حتى وحدة كيانه الجغرافي.

ذلك أنهم، وقد أضحوا مشردين في أرضهم وفي الخارج على مذبح تمسك رئيس نظامهم بشار الأسد بالسلطة أياً كانت الأثمان، لا تعنيهم فقط دماء قتلاهم وآلام معتقليهم وأوجاع نازحيهم الذين يعيشون في العراء، انما أيضاً واقع أن البلد الذي كان وطناً لهم بات ساحة مفتوحة للقوى الخارجية، الاقليمية والدولية، مع ما تنقله اليه من ايديولوجيات غريبة وطموحات ومصالح وأسلحة تصب كلها في غير مصلحة سورية كوطن لجميع أبنائه… فضلاً عن دوره القومي وتاريخه الحضاري العريق في المنطقة.

أكثر من هذا، فإنهم وقد باتوا ضحايا لعبة الأمم (بعضها يقاتل مباشرة على الأرض، والبعض الآخر يقاتل من بعيد، والثالث يراهن على استنزاف الطرفين السابقين) لم يعد يكفيهم السؤال عن الأسباب التي أوصلتهم وأوصلت بلدهم الى هذه الحال، بل أولاً وقبل ذلك عن المسبب، وهو هنا نظام بشار الأسد دون غيره.

من بين هذه الأسئلة، مثلاً لا حصراً، ما يأتي:

> ماذا فعل نظام الأسد هذا بدمشق «قلب العروبة النابض»، في ضوء طرد ممثلها من جامعة الدول العربية بسبب رفضه مساعي الجامعة ودولها لوقف الحرب المجنونة التي لم تسلم مدينة أو منطقة منها، ثم بعد توقف هذا القلب عن نبضه الطبيعي بفعل مصادرة نظام «الولي الفقيه» في ايران الجزء الأكبر منها وسيطرة التنظيمات الارهابية والتكفيرية على أجزاء أخرى؟

يقول النظام، كما كانت حاله منذ بدء الثورة ضده، ان الجامعة العربية هي التي تغيرت وليس دمشق التي يحكمها بالحديد والنار، وأن العرب دعموا ولا يزالون ما سمّاه «الحرب الكونية» التي تشن ضد سورية، وأن ما بينه وبين ايران (وروسيا والصين) مجرد «تنسيق» لصد هذه الحرب والحيلولة دون تحقيق أهداف القوى الغربية التي تقف وراءها، ليس في سورية فقط إنما في المنطقة أيضاً.

العرب تغيّروا وحتى استسلموا، يردد إعلام الأسد، بينما هو المقاوم والممانع… صدق أو لا تصدق!

لكن هل بين العرب، على افتراض أنهم تغيروا كما يقول، من يشاركه الرأي غير زميله الحاكم في الجزائر عبدالعزيز بوتفليقة منذ عقود، وطبعاً لأسباب خاصة به أهمها اعادة انتخابه رئيساً لبلاده للمرة الرابعة مع أنه لا يتنقل إلا على كرسي طبي، وغير النظام الآخر في العراق، ولأسباب ايرانية وحتى أميركية تتصل بالتقاء مصالحهما في هذا البلد العربي منذ انسحاب القوات الأميركية منه قبل أعوام؟

> ماذا بقي كذلك من سورية «شمال فلسطين، جرياً على ما كان يحلو للرئيس الراحل حافظ الأسد أن يسمي فلسطين بأنها «جنوب سورية»، بعدما تأكد للقاصي والداني فيها وفي العالم كله أن اسرائيل هي التي حالت حتى الآن دون سقوط النظام فيها، لأنه، كما قال قادتها مراراً وكما كشف من ناحيته أحد أعوانه (رامي مخلوف)، يشكل ضمانة لا غنى عنها لأمن اسرائيل؟

وإذا كان صحيحاً أن مواقف دول العالم من الحرب المستمرة لا تخرج عن كونها استنزافاً من بعضها للبعض الآخر، ولسورية أساساً، وأن هذا الاستنزاف يصب أولاً وأخيراً في خدمة اسرائيل، فماذا فعل نظام الأسد من جهته لإخراج سورية من هذه الحال؟ بل أكثر، ألم يقدم النظام لهذه الدول كل ما يبرر معارك استنزافها… لسورية وقواها السياسية والعسكرية والاقتصادية والمالية قبل غيرها؟

أم أن تحرير «جنوب سورية» من الاحتلال الصهيوني، وفق رطانة الحزب الذي يحكم الأسد باسمه، كما هو تحرير الجولان بدوره، بات قضية «الولي الفقيه» وحرسه الثوري اللذين يتحكمان بسورية الآن بدعوى الدفاع عن «جبهة المقاومة والممانعة»… وحتى عن «خطوط ايران الدفاعية» في جنوب لبنان، كما قال أحد مستشاري علي خامنئي في الفترة الأخيرة؟

> ماذا بقي بعد ذلك كله من سورية «قلب بلاد الشام»، أو سورية «الوحدة العربية… وأول وحدة في التاريخ الحديث»، أو حتى من سورية «عصب الهلال الخصيب»، بعد أن قطع النظام روابطه القومية مع العراق (من أيام صدام حسين، وأعادها فقط في عهد نوري المالكي بما هو ايراني الهوى والعقيدة) ثم مع مصر والسعودية في الفترة الاخيرة، وبعد أن تخلّى رسمياً عن لواء الاسكندرون عندما تحسنت علاقاته مع النظام الحاكم في تركيا، وعن فلسطين التاريخية لحساب حكومة «حماس» في قطاع غزة وراعيها في طهران، كما عن لبنان «الشعب الواحد في دولتين» لمصلحة «حزب الله» بما هو جندي في جيش «الولي الفقيه» وفق تعبير أمينه العام حسن نصرالله الخ…؟

بل ماذا بقي من سورية «الشعب الواحد»، كما عرفت عبر التاريخ، بعد أن زجّها النظام بقرار منه وعن سابق تصور وتصميم، في سلسلة حروب أهلية ومذهبية وعرقية، بين العلويين والسنّة والشيعة، وبين المسلمين والمسيحيين، وبين العرب والأكراد والتركمان، وفي كل حال بين من امتلك سلاحاً زوده به النظام (الشبيحة) وبين من اضطر لحمل السلاح دفاعاً عن نفسه؟

سورية هذه، أو ما بقي منها جواباً عن الأسئلة أعلاه، هي التي يقول بشار الأسد إنه لا يزال يحكمها منذ 2000 وبخاصة منذ الثورة الشعبية التي تطالب بإسقاطه العام 2011، وأنها ستعيد انتخابه رئيساً في الثالث من حزيران المقبل.

هي بكلمات قليلة، «سورية الأسد» أو «الأسد الى الأبد» أو «الأسد أو نحرق البلد»، كما درج أتباعه على القول في وصف هذا البلد العريق في التاريخ والجغرافيا والحضارة العربية والاسلامية.

لكنها في واقع الأمر «سورية الايرانية» فقط، أو أنها، كما سبق لمسؤول ايراني أن قال بوضوح، احدى محافظات الجمهورية الاسلامية في ايران.