IMLebanon

للفساد.. وجوه عديدة وحماة حاضنون !

الفساد في لبنان، لم يكن يوماً نادر الوجود، أو هو عار او عيب، او خطيئة مميتة، والقول «المأثور» «الشاطر ما يموت»، طبع تقريباً معظم العهود الاستقلالية، بدءاً بعهد الرئيس بشارة الخوري، حتى هذه الايام، انما الفساد، كان يتفاوت حجمه وخطره ووقاحته، بين عهد وآخر، حيث ينمو ويترعرع في عهود، و«يتضبضب» في عهود اخرى، بانتظار الفرصة المناسبة لعودته بكامل قباحته، ولكن الحق يقال، ان لبنان لم يشهد فساداً اكثر انتشاراً مثل عهود ما بعد الطائف، فأدوات الفساد كانت متحكمة بمفاصل الدولة على الرغم من التوجه الاصلاحي للرئيس العماد ميشال سليمان، ورغبته بتحقيق انجازات اصلاحية في دولة يعشعش فيها الفساد وينجب انواعاً جديدة، اكثر خطورة وحماية وبأساً، متسلحاً بالحماية الطائفية والمذهبية من جهة وبالقوة القاهرة من جهة جديدة العصيّة حتى على الدولة.

الفساد، ليس الرشوة، والمحسوبية، واستسهال الاستيلاء على المال العام، وحسب، بل هو ايضاً حرمان الدولة من حقوقها ومواردها، وبخلق اوضاع امنية واجتماعية وسياسية صعبة ومتوترة، تمنع دورة الحياة الاقتصادية الطبيعية من الدوران بحرية وانتظام كما يجب ان تكون، كما ان ملء وزارات الدولة ومؤسساتها بالموظفين والعمال والاجراء والمستشارين للتنفيع المالي وحسب، هو ايضاً من الفساد الخطير، الذي يدفع اللبنانيون جميعاً ثمنه اليوم، اضرابات واعتصامات ومطالبات وتحدّيات، تصل احياناً الى مستوى الانقلاب على الدولة.

والفساد ايضاً، لا يتوقف عند هذا الحدّ، فتعطيل عمل الدولة فساد، وتعطيل انتخاب رئيس للجمهورية فساد، واغلاق مجلس النواب فساد، وتعطيل تشكيل الحكومات فساد، والتمديد لمجلس النواب فساد، ورفض الديموقراطية فساد، وشلّ الدولة وعمل المواطنين، بالاعتصامات والتظاهرات الطويلة فساد، وعدم الحرص على المال العام تحقيقاً لشعبوية رخيصة، فساد، وقمّة الفساد ما يجري اليوم من تحركات مطلبية متفلتة من ضوابط المسؤولية، على قاعدة «انا.. وبعدي الطوفان»، ولا تعرف انها ستكون اولى ضحايا هذا الطوفان.

* * * *

سلسلة الرتب والرواتب، التي تحوّلت الى كرة من نار، قد تحرق عافية لبنان واللبنانيين، ان هي اقرّت بعيداً من المنطق الاقتصادي والمالي المعقول، تشبه وعد بلفور الذي شكّل كارثة على العالم العربي، عندما تحقق بسلخ فلسطين عنه، فالسلسلة لم تكن يوماً في حساب الاساتذة والمعلمين والموظفين على الشكل الذي تطالب به اليوم «هيئة التنسيق النقابية»، وتبين لاحقا بالقلم والورقة، ان الهيئة لها حقوق لدى الدولة، وعلى الرغم من اقرار النواب والهيئات الاقتصادية والمصرفية بهذه الحقوق المعقولة والمقبولة، في السنوات العجاف الحالية، الا ان الهيئة تتمسك بوعد الرئيس نجيب ميقاتي، دون الاخذ في الاعتبار، تحذيرات حاكم مصرف لبنان، ومعظم المعنيين بالشأن المالي والاقتصادي، وتحذيرات العديد من الكتل النيابية، ولا تستمع الاّ الى «تشجيع» الكتل النيابية الشعبوي، المؤدّي الى تفكك الدولة وانهيارها، في حال اقرت السلسلة بعيداً من تأمين الواردات الصحيحة لها، المتراجعة يوماً بعد يوم بسبب الاوضاع السياسية المتردّية.

ان مستقبل اكثرمن مائة الف تلميذ، اهمّ بكثير من الحسابات السياسية الضيّقة واهمّ من فوقية هيئة التنسيق في تعاملها مع هذه القضية الخطيرة، ولذلك فان الرجوع الى العقل والمنطق فضيلة، والوقت لم يفت بعد.