«الجنرال» يضع الحريري أمام اختبار علني للنوايا لترجمة كلام «الغرف المغلقة» «ثقة» نصرالله تخوّله لعب دور «الوسيط النزيه» وتُعوّض اختلال موازين القوى
الحملة من قبل خصوم رئيس تكتل التغيير والاصلاح النائب ميشال عون على كلامه حول «مثلث» القوة الذي يضمه مع الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله ورئيس الحكومة الاسبق سعد الحريري، مفهومة وغير مستغربة من قبل الذين يعتبرون ان «الجنرال» «عراهم» ورسم لهم حدود فعاليتهم وتاثيرهم في الاحداث، ولكن السؤال الاهم في هذا السياق يبقى عن سر توقيت تصريح عون في هذه المرحلة المفصلية من عمر الاستحقاق الرئاسي، حيث يحتاج «الجنرال» الى كل دعم داخلي وخارجي لتسهيل عبوره نحو قصر بعبدا، فلماذا اختار «الحركشة» بوكر الدبابير في وقت يحتاج فيه الى مد جسور التواصل مع الجميع اكانوا خصوما في السياسة او هؤلاء المصنفين انهم «حليف الحليف»؟
اوساط سياسية مطلعة على موقف «الجنرال» تشير الى ان ما قاله ليس «زلة لسان» غير مقصودة او نتيجة فورة غضب نتيجة الحاح احد الاعلاميين، لكن ما قيل كان عن سابق تصور وتصميم، واختار عون قناة المنار حصرا لاطلاق هذا الموقف لانه كان مهتما كثيرا «بالمنصة» التي يطلق منها تلك «الخرطوشة» التي اراد لها ان تصيب مسامع الرئيس سعد الحريري، بغض النظر عما يمكن ان تتركه من «ندوب» جانبية مع اطراف سياسية اخرى ليست في هذه المرحلة على جدول اعمال «الجنرال» الذي اراد هذه المرة مخاطبة الحريري علنا وامام «الجمهور» ليكرر على مسامعه ما كان قد ابلغه اياه خلال لقائهما الاخير.
وبراي تلك الاوساط، فان التعليقات الصاخبة التي حاولت ان تقول ان عون يروج للمثالثة في طرحه تبقى مجرد «بروباغندا» اعلامية للتشويش على مقاصده ، فهذا الطرح لم يرد ولا مرة على اجندة حركة امل وحزب الله كممثلين للشيعة في لبنان، وما قاله الرئيس نبيه بري مؤخرا في جلسة الحوار الاخيرة قطع الشك باليقين وانهى الجدل حول هذه النقطة، وحتى عندما تحدث السيد حسن نصرالله عن مؤتمر تأسيسي فلم يكن في ذهنه البحث عن مكاسب للشيعة على حساب الطوائف الاخرى، بل كان يبحث عن مخرج لفشل النظام الحالي في ايجاد الحلول المناسبة للمشاكل الدستورية والسياسية المزمنة، هذا الامر يعرفه الحريري جيدا، كما ان «الجنرال» ليس في وارد الموافقة على نظرية «المثالثة» لانه يعرف ان السير في هذه المعادلة تعني خسارة المسيحيين للمزيد من الصلاحيات.
وفي هذا السياق، تشير تلك الاوساط الى ان عون واقعي جدا على عكس الاتهامات التي تصفه بانه كبير «الحالمين»، «فالجنرال» يدرك راهنا ان المسيحيين في الشرق وليس فقط في لبنان، فقدوا دورهم الوازن والمؤثر في الاحداث بعد ان تخلى الغرب وخصوصا فرنسا عن دورهم الرعوي الحاضن للوجود المسيحي في المنطقة، ولم تعد تلك الدول معنية بهذه «الورقة» التي لم تعد صالحة للمقايضة في اماكن اخرى، وبالتالي عندما يتحدث «الجنرال» عن الثلاثي القوي يدرك ان قوته الفعلية لا تقاس بوحدة قياس واحدة مع السيد نصرالله والرئيس الحريري، حتى ان قوة الرجلين لا تخضع لمقياس واحد.
فالحريري ساهمت الاقدار وبعدها الظروف المحلية والاقليمية في تتويجه «زعيما» للسنة في لبنان، وقد اخفقت كل المحاولات السابقة لانتاج قيادة سنية بديلة تستطيع اخراج السنة من الدائرة المغلقة للحريرية السياسية، وكانت تجربة الرئيس نجيب ميقاتي آخر الدلائل على ضعف قدرة الزعامات السنية في الخروج من «الظل» بعد ان امضى جل فترة حكمه في ارضاء «التيار الازرق». وفي الشق الخارجي حسمت المملكة العربية السعودية مستقبل «الزعامة» السنية في لبنان واقفلت الابواب امام اي خيارات اخرى بديلة عن الحريري وهي حتى اجل غير مسمى تعتبره «رجلها» الاول والاخير.
في المقابل لا تحتاج قوة السيد نصرالله الى الكثير من الشرح، فالحديث عن حزب الله وقدراته التأثيرية تتجاوز حدود لبنان الى الفضاء الاقليمي والدولي، ولدى الرجل سلطة تقريرية وتنفيذية في اكثر من ملف في المنطقة، حتى ان الجمهورية الاسلامية الايرانية تبني الكثير من استراتيجياتها في بعض الملفات الحساسة بناء على راي الامين العام لحزب الله الذي يملك الكثير من «مفاتيح» «اللعبة»في الداخل والخارج، وبات قوة اقليمية يحسب لها الف حساب.
وانطلاقا من هذه المعادلة، يدرك عون ان موازين القوة غير متناسبة، ولذلك فهو يقدم نفسه شريكا في هذه المعادلة، مستمدا قوته من حليفه الشيعي الذي منحه «شيكا» على بياض لتحصين موقع المسيحيين في «اللعبة» الداخلية، بعد موقفه «التاريخي» في حرب تموز، وفي ظل رؤيته الاستراتيجية لدور المسيحيين في المنطقة، وهذا الامر يخوله «لعب» دور محوري «كوسيط» نزيه قادر ان يكون «جسر»تلاقي بين السنة والشيعة في فترة الازمات الكبرى، وهنا تكمن حقيقة قوته.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان «الجنرال» عندما قرر التحدث علنا عن هذا «المثلث» اراد تسجيل موقف للتاريخ، فهو يعرف ما يقول، واراد ان يقدم للحريري ومعه السعودية «فرصة» للخروج من التردد والاقدام على خطوة تبني ترشيحه للرئاسة ليس كمكسب شخصي، وانما كخطوة لبناء الثقة بعد نجاح تجربة تشكيل حكومة المصلحة الوطنية، وما تلاها من انفراجات امنية وسياسية واقتصادية، كان للتيار الوطني الحر دور فاعل واساسي فيها. وقد لمس رئيس تيار المستقبل قدرة عون ودوره الفاعل في هذا السياق، نتيجة التفاهم العالي المستوى، والثقة المتبادلة بينه وبين السيد نصرالله، وهذا الامر يحتاجه الحريري بعد ان تهاوت ثقة الامين العام لحزب الله به الى ما دون الصفر.
وفي هذا السياق، يريد عون وضع الحريري امام اختبار علني للمصداقية، بعد كلام «معسول» سمعه «الجنرال» بعيدا عن الاعلام حول اهمية دوره وحجم تمثيله للمسيحيين، وهو يريد تسريع عملية التفاوض مع تيار المستقبل والاسراع في حسم الخيارات وعدم ابقاء الامور عالقة الى ما لانهاية، فالمعادلة «الثلاثية» ليست من اختراعه، والحريري يدرك ضمنيا انها «الرافعة» الحقيقية والجدية لتوازن الحياة السياسية في البلاد، فحلفاؤه المسيحيون غير قادرين على «لعب» اي دور فاعل في العلاقة مع الطرف الاخر، وفي ظل تراجع دور النائب وليد جنبلاط، وتماهي الرئيس نبيه بري مع حزب الله ضمن تحالف استراتيجي، لا يبقى لديـه من خيار سوى تجربة تطوير العـلاقة مع التيار الوطني الحر من «بوابة» الاستحقاق الرئاسي، علها تفضي الى نقلة نوعية في الحياة السياسية، عبر تعزيز الاستقرار من خلال طمأنة المسيحيين بوصــول رئيــس قوي، وطـمأنة حزب الــله، تمهيدا للبدء بنقاش جدي حول الاستراتيجية الدفاعية والوطنية.
لكن هل يريد الحريري ذلك؟ ومن قال انه يريد ان يخرج البلاد من حالة المراوحة الراهنة؟ وهل لديه النية اصلا لايصال رئيس مسيحي قوي الى قصر بعبدا؟ وهل يستطيع تجاوز حرد وغضب الحلفاء في الداخل؟ وهل يريد أصلا طمأنة المقاومة ومد جسور الثقة معها؟ وهل السعودية في وارد تقديم «هدايا» مجانية دون ضمانات او قبض «اثمان»؟ اسئلة كان الجنرال عون يعتقد انه يملك اجابات واضحة عليها، لكن ما حصل خلال الايام القليلة الماضية من «ضبابية» في موقف الرئيس الحريري دفعه الى «التراجع» خطوة الى الوراء مطلقا معادلته «المستفزة» علها تخرج رئيس تيار المستقبل عن صمته، وعندها سيتم وضع الكثير من «النقاط» على «حروف» كثير من كلمات قيلت خلف «الابواب» «المغلقة».