تمارس إسرائيل لعبة القط والفأر مع إيران. تتواجه معها أمنياً ومخابراتياً. يسكنها هاجسان: السلاح النووي الذي من الممكن أن تصل طهران الى إنتاجه ، والسلاح الإيراني المتطور الذي يُحاصرها من «حزب الله» شمالاً وحركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» جنوباً.
بالنسبة الى «النووي»، تُسخّر المخابرات الإسرائيلية جزءاً مهمّاً من قدراتها في رصد النشاط الإيراني، ومهاجمة برنامجه إلكترونياً، واغتيال علماء عاملين في تطويره، فيما تقف القيادة السياسية الإسرائيلية عاجزة عن اتخاذ قرار بمهاجمة البرنامج النووي عسكرياً، لعدم امتلاكها القدرات اللازمة لتدميره، ولعدم إستعداد الولايات المتحدة الأميركية لدعم هذا الخيار، وتفضيلها الحل الدبلوماسي الذي توشك الوصول إليه من خلال المفاوضات.
أما بالنسبة الى حصارها بالسلاح، فلا تخشى تل أبيب إلّا الصواريخ البعيدة المدى التي تُهدّد الأمن النفسي لمواطنيها أكثر مما تُهدّد أمنها الإستراتيجي. لذلك تضع الخطوط الحمر حول صواريخ فجر ٣ و ٥ التي تطاول تل أبيب والقدس من غزة وجنوب لبنان، فضلاً عن ظهور الطائرات بلا طيار المفاجىء في سماء تل أبيب.
ففي ٢٣ تشرين الأول الماضي، شنّت الطائرات الحربية الإسرائيلية هجوماً مدمّراً على منشآت اليرموك العسكرية في الخرطوم، التي قيل إنها مركز لتخزين وتجميع صواريخ مضادة للطيران، وأخرى حرارية مضادة للدبابات، إيرانية الصنع وغزّاوية الوجهة. وكانت قبل ذلك، في كانون الثاني ٢٠٠٩ تحديداً، أغارت على قافلة من نحو ٢٠ شاحنة محمّلة بالأسلحة في السودان كانت في طريقها الى غزّة.
وفي ١٤تشرين الثاني الماضي، إغتالت إسرائيل مهندس برنامج صواريخ فجر في غزّة والقائد العسكري لـ «حماس» أحمد جباري.
والآن تقود الآلة الحربية الإسرائيلية حملة مباشرة على غزة في الإطار ذاته، مهما كانت الذرائع والتبريرات المعلنة الأخرى.
تريد إسرائيل إزالة خطر صواريخ فجر، وقد تمكّنت حتى الآن من تدمير نحو ٢٠٠٠ منها. ولكن يبدو أن أعدادها كبيرة جداً الى حدّ أن تل أبيب أعلنت أن العملية قد تكون طويلة حتى تُحقّق أهدافها، خصوصاً وأن نظام «القبة الحديد» لم ينجح في تدمير ٥٠ في المئة من الصواريخ في الجو.
وتفيد تقارير أجنبية أن إيران مسرورة بالتطورات في غزّة، لأنها كانت تتطلع الى تحويل الأنظار عن سوريا.
وربما حصلت على ذلك موقتاً. تريد إظهار نفوذها في المراحل النهائية والحساسة من مفاوضاتها مع الغرب. يهمّها تأكيد علاقاتها مع القيادة الفلسطينية في غزّة في إطار استراتيجيتها منع إسرائيل من ضرب برنامجها النووي عسكرياً وتذكيرها بالأثمان، خصوصاً بعد تحوّل «حماس» نحو «الإخوان المسلمين» بدلاً من طهران السنة الماضية.
وتعتبر التقارير أن لعبة الصواريخ هي كلفة صغيرة تُناور إيران بها لتقطف ثمناً أكبر. ولكن هل تتطور الأمور الى تدخّل «حزب الله» في هذه المعركة، أو إنقضاض إسرائيل على صواريخ «الحزب»؟
«حزب الله» ليس «حماس»، بمعنى أنه يرتبط إرتباطاً كيانياً مع إيران، وللحرب معه أو عليه حسابات إقليمية مختلفة. لذلك لا نيّة ولا مصلحة للطرفين في توسيع جبهة هذه الحرب.