IMLebanon

لماذا المقارنة بين «حزب الله» و«داعش»؟

وقائع مغايرة من سلوك التحرير إلى اليوم

لماذا المقارنة بين «حزب الله» و«داعش»؟

مع تصاعد خطر تنظيم «داعش» دوليا واقليميا ولبنانيا، تصر جهات سياسية في لبنان، على اجراء مقارنات بين هذا التنظيم و«حزب الله»، فهل ثمة وجه للمقارنة أصلا بين الاثنين؟

يتعرض «حزب الله» منذ ما بعد «حرب تموز» 2006 لحملة سياسية ـ اعلامية منظمة تشارك فيها دوائر أميركية واسرائيلية، وجاء نشر وثائق «ويكيليكس» في مرحلة معينة، ليبين كمية الجهد والأموال والمسارات التي شكلت جزءا من ماكينة منظمة هدفها تشويه السمعة، وخصوصا سمعة قيادة الحزب التي رفعت صورها منذ العام 2000 في كل أنحاء العالم العربي والاسلامي.

لم تتوقف حملة التشويه داخليا وخارجيا، خصوصا أن الحزب انخرط بعد تموز 2006 في الاشتباك الداخلي، بطريقة غير مسبوقة، وصولا الى لحظة السابع من ايار 2008 التي شكلت ذروة بركان لبناني استدعى انعقاد مؤتمر الدوحة ومن ثم استعادة النصاب السياسي الداخلي بحده الأدنى (رئيسا وحكومة وانتخابات نيابية)، فيما كان يمكن لقوة لبنانية أخرى لو أتيح لها ما أتيح لـ«حزب الله» في تلك اللحظة أن تقلب الطاولة اللبنانية رأسا على عقب.

يكفي هنا التذكير بالدهشة التي غمرت وجهَي وزيرَي خارجية تركيا (داود أوغلو) وقطر(حمد بن جاسم) في ايار 2008، عندما سألا الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله عن مطالبه، فكان جوابه: «لتتراجع الحكومة عن قرار شبكة الاتصالات ولتعد الضابط وفيق شقير الى منصبه على رأس جهاز أمن المطار»، وعندها رد عليه بن جاسم «ولكن هذين المطلبَين صار محسوما أمر عودة الحكومة عنهما.. ماذا عن غيرهما؟» (في التلميح الأول المباشر الى الصيغة)، غير أن «السيد» كرر متبنيا مطلبين لا ثالث لهما!

تتخذ حملة المقارنة بين «داعش» و«حزب الله» من تدخل الأخير في سوريا ذريعة، لكن الاهم بالنسبة الى خصوم الحزب، هو محاولة رسم صورة في أذهان الرأي العام، خصوصا المسيحي في لبنان، مفادها أن التشابه السياسي والفكري والديني بين التنظيمين يجعل من الصعب التفريق بينهما، فهل هذه المقارنة ظالمة أم أنها في مكانها؟

بما ان سوريا هي الحجة الاهم بالنسبة الى هؤلاء المقارِنِين، فإن التدخل في سوريا من قبل افرقاء لبنانيين، تحديدا «قوى 14 آذار» وجماعات سلفية، سبق تدخل «حزب الله»، كما يؤكد متابعون للملف الأمني وعندهم الكثير من الوقائع والشواهد من الباخرة «لطف الله 2» الى «كمين تلكلخ» مرورا بمئات الحوادث في عرسال وجردها.. من قبل أن ينخرط «حزب الله» في صيف العام 2012.

ليس خافيا على أحد أن حضور التيارات التكفيرية لبنانيا كان سابقا لاحداث سوريا نفسها بأكثر من 11 عاما، وتحديدا منذ معركة الضنية الشهيرة ضد الجيش اللبناني، وخير دليل كان أن «داعش» و«النصرة» يلتقيان اليوم على المطالبة بموقوفِين في سجن رومية من زمن تلك الاحداث وكذلك من معركة نهر البارد في العام 2007، التي اثبتت أيضا وجود تيارات تكفيرية متنوعة الجنسيات في لبنان، بينها «فتح الاسلام» والتي وجدت لها بيئة أمر واقع حاضنة في بعض المخيمات الفلسطينية.

ومع قدوم اولى موجات النزوح السوري الى لبنان في بداية الاحداث السورية في ربيع العام 2011، بدأت ترتسم معالم مرحلة جديدة، على صعيد حجم حضور التيار التكفيري في لبنان، خصوصا مع ارتفاع منسوب العصبية المذهبية، معطوفا على إقصاء فريق سياسي لبناني وازن عن السلطة.

وزاد الطين بلة مجاهرة شخصيات تكفيرية في سوريا بأنها قادمة الى لبنان لمحاربة «حزب الله» أو «الروافض» (الشيعة بمعيارهم)، ولطالما تكرر مشهد إقدام متظاهرين (وتحت راية «الثورة والاصلاح») على حرق علم «حزب الله»، في ظل حضانة سياسية كان يوفرها «تيار المستقبل» وخصوصا أبرز قياداته في الشمال.

ولطالما حاول الإعلام اللبناني الاجابة عن سؤال ما اذا كان لبنان سيشكل ساحة نصرة، أي إمداد، أم ساحة جهاد، أي خط مواجهة، لـ«القاعدة» وأخواتها، حتى أن وزير الدفاع فايز غصن عندما تحدث عن وجود «القاعدة» في لبنان قامت القيامة عليه ولم تقعد، خصوصا من رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان و«قوى 14 آذار».

ولكن لماذا توجه هذه الاتهامات والمقارنة اليوم، ما سر التوقيت؟

يقول المتابعون ان المسألة برمتها تبلورت مع انتصار «حزب الله» في القصير والقلمون، وما كانت المسألة ستتبلور وفق هذا النوع لو كانت الجماعات التكفيرية هي التي انتصرت في سوريا، أي أن الامر يتعلق بنتائج الحرب في سوريا.

ويؤكد المتابعون «ان مشروع اسقاط النظام السوري دفن في القصير وانتقلنا بعدها لمواجهة مشروع متكامل في العقيدة والتنظيم والبرنامج يشكل خطرا على لبنان والمنطقة والعالم ويتطلب تضافر الجهود كافة لمحاصرته وهزيمته، وخير دليل على ذلك أن الولايات المتحدة ومعها معظم الغرب، قد توصلوا إلى النتيجة التي كان الحزب قد توصل إليها منذ قراره التدخل في سوريا، وبتنا اليوم أمام مشروع تحالف دولي لمحاربة داعش».

ما السبب من وراء التشبيه بين «حزب الله» و«داعش»؟

عندما قرر الوزير اشرف ريفي اعتماد تشبيه كهذا، رد عليه النائب وليد جنبلاط بالقول انه «غباء» و«هرطقة سياسية»، أما «حزب الله»، فيضع الأمر في سياق عمره سنوات، وتقول أوساطه إن الهدف من هكذا تشبيه هو محاولة توفير بيئة حاضنة لـ«داعش» على المستوى الشعبي، اذ لا نية حقيقية بمواجهتها من قبل «المستقبل» وحلفائه لاسباب سياسية وانتخابية ومصلحية، وهم يحاولون الهروب من ادانة «داعش» عبر ادانة «حزب الله». وهم يغضون الطرف عن «داعش» تارة، ويغطونه تارة اخرى ويدعمونه سياسيا ومعنويا في بعض الاحيان».

ويضيف ان «ثمة خطة لتشويه صورة الحزب وإبقائه في موقع المتهم، وهي سياسة لم تبدأ من اليوم بل تعود الى سنوات مضت لتصويره بأنه يمثل فكرا إلغائيا بالثقافة والممارسة السياسية، مع العلم بأن الحزب قد اعلن في وثيقته السياسية إيمانه بلبنان وطنا نهائيا لجميع ابنائه، وبالتنوع وبالعلم اللبناني وبأرزته وبالتعدد وبالحريات…».

ويسأل المصدر: لو كنا إلغائيين، لماذا يجلسون معنا على طاولة مجلس الوزراء وفي مجلس النواب ولماذا ينسقون ويبحثون معنا في السياسة؟ ويجيب: هم يعرفون اننا لسنا كذلك، اذ لدينا تاريخ عريق في خطابنا السياسي وسلوكنا الوحدوي وحياتنا السياسية، ويكفي للتدليل على ذلك سلوك «حزب الله» الحضاري بعد التحرير في العام 2000 اذ لم تحصل ضربة كف في كل القرى المحررة وعاد الجنوبيون الى قراهم وعضّوا على جراح محفورة طوال ربع قرن من عمر الاحتلال وعملائه.

يستشهد القيادي الحزبي بالكثير من المحطات التي قدم فيها الحزب سلوكا مفاجئا لخصومه وكيف شكلت وثيقة التفاهم بين «الحزب» و«التيار الوطني الحر» خير نموذج لنمط من التحالفات غير مسبوق في الداخل اللبناني، لم يقتصر على البعد الفوقي بل امتد الى القواعد والقرى والمناطق والقطاعات المتعددة، وها هو الحزب يقف عند استحقاقات أساسية عند رأي حلفائه وخصوصا العماد ميشال عون.