ذُبِح الرقيب علي السيد أم لم يُذبح؟ لماذا لم تُحسم الحقيقة بعد؟ وهل يُعقل أن يبدأ تنظيم «الدولة الإسلامية» بقتل رهينة من الطائفة السنية؟ ولماذا لم يذبح أحد العسكريين الشيعة بدلاً منه؟ ما هي الرسالة التي أراد التنظيم إيصالها؟ وما هي أُفق المفاوضات معه؟
لا يزال التشكيك في مقتل العسكري المخطوف الرقيب علي السيد سيّد الموقف، على الرغم مما يحمله من تلاعب بمشاعر العائلة المفجوعة. قُتل ابن فنيدق أم لم يُقتل؟ تساؤلٌ لم تُجب عنه المؤسسة العسكرية. أمس، صرّح الجندي المفرج عنه إبراهيم شعبان بأن «جبهة النصرة أبلغتنا أن علي السيد لا يزال حيّاً»، رغم أن السيد كان مخطوفاً لدى تنظيم «الدولة الإسلامية» وليس «النصرة». خبرٌ، رغم استناده إلى معلومات في الهواء، أثلج صدور أبناء فنيدق الذين أطلقوا النار ابتهاجاً، وأعاد الأمل إلى عائلته التي أقامت المآتم لفراقه.
شيوع خبر ذبح جندي لبناني كان قد سبقه بيان لتنظيم «الدولة»، يهدّد فيه بـ«ذبح عسكري بعد ٢٤ ساعة». وأُتبع بنشر صورتين على حساب تويتر يظهر فيهما الرقيب المقتول. كانت الجثة التي فُصل رأسها عن الجسد ترتدي القميص نفسه الذي كان يرتديه العسكري المخطوف عندما ظهر في مقطع مصوّر يُعلن انشقاقه عن الجيش اللبناني، علماً بأنه عاد ليظهر في التسجيل المصوّر الذي سلّمته «هيئة علماء المسلمين» لرئاسة الحكومة على أنه أحد العسكريين المخطوفين. لم تنته القصة هنا. فقد نُشر أول من أمس مقطع فيديو على مواقع يوتيوب يُظهر رجلاً مقيّد اليدين يجلس أرضاً ويقف خلفه مسلحون ملثّمون، وقد وجّه فيه أحدهم رسالة إلى الحكومة اللبنانية قائلاً: «هذا جندي من جنودكم. وإذا استمريتم بالتضييق على أهل السنّة في لبنان سيكون مصير جنودكم مثل هذا الجندي»، فيما كان الرجل الجالس أرضاً مرتدياً بنطالاً عسكرياً يتحرّك كمن ينتحب، لكن الخلفية الإنشادية التي أُضيفت على الشريط أخفت صوته.
السنّي مرتدوالشيعي كافر وعقاب الأول قبل عقاب الثاني
مصادر مقرّبة من أمير «الدولة» في القلمون أبو طلال الحمد ردّت على سؤال «الأخبار»: «هل قتلتم العسكري أم لا؟»، بالقول: «لا علاقة لنا بكل ما يُنشر في وسائل الإعلام. إذا بقيت الحكومة اللبنانية مصرّة على عدم الاستجابة لنا والاستمرار في تكذيبنا، غداً عندما يرون جندياً ثانياً مذبوحاً، لا بدّ أن يُصدّقوا». وقبل انتشار الفيديو الذي يظهر عملية الذبح، والذي لم تعرضه معظم وسائل الإعلام، تناقلت حسابات «الجهاديين» مضمون اتصال مسرّب لعضو «هيئة علماء المسلمين» الشيخ عدنان أمامة مع أحد مساعدي الشيخ داعي الاسلام الشهال، يعلّق خلاله أمامة على خبر ذبح العسكري علي السيد بالقول: «للأسف صحيح. هول أعداء يتسترون بالدين، ومن يقودهم أخبث من النظام السوري وأخبث من كل الأعداء. لقد بدأوا بنا».
ورغم الحملة التي شنّها على مواقع التواصل الاجتماعي ناشطون يدورون في فلك «الدولة» على الشيخ أمامة الذي كان يتولّى ملف التفاوض، ثمة سؤال مطروح حالياً، يتصل بما ختم به أمامة حديثه به: «بدأوا فينا»، أي أهل السنّة. فلماذا بدأت «الدولة الإسلامية» بذبح جندي سنّي قبل أبناء الطوائف الاخرى؟
بحسب المصادر، استندت «الدولة» في خيارها إلى أكثر من معيار: «فقهي وسياسي». المعيار السياسي يتجلّى في اعتبارها أن «قتل جندي شيعي لن يُحرّك قضيتهم مثلما قد يفعل ذبح جندي سنّي، إنما قد يترتب عليه ضرر كبير لأن ذلك سيزيد من التفاف الشيعة حول الحزب». وينطلق هؤلاء من اعتبارهم أن «تماسك الشيعة وتوحّدهم لمناصرة قضيتهم أقوى منه لدى السنّة المنقسمين والضعفاء». وهذا الأمر وظّفته «النصرة» عندما تركت الجنود السنّة الأسرى لديها لتستثمره استقطاباً وتأييداً لها بعدما أعقبته ببيان سياسي عنونته بـ«أهل السنّة أنتم منّا ونحن منكم».
أما المعيار الفقهي، وهو المقدّم لدى هذه الجماعات غالباً، فيقوم على رؤيتها القائلة بأن «العسكري اللبناني السنّي مرتد. أما الشيعي فهو كافر»، علماً بأن «حدّ الردّة القتل»، وعقاب المرتد قبل عقاب الكافر. وبحسب مصادر مقرّبة من «الدولة» في القلمون، هذه المجموعة ترى أن «الشيعي صار كافراً والكفر فيه عقيدة وأصل»، أما العسكري السنّي فإن الأصل لديه الإسلام، لكنه ارتد بانتسابه إلى الجيش. والجيش في عُرف هؤلاء هو «الطاغوت الذي يجب معاداته وتكفيره وقتاله، أما الالتحاق به فإنه يُخرج من الملّة».
ولكون العسكري السنّي ارتدّ بعد إسلامه صار حلال الدم، وصار قتاله وقتله أولى من قتال الكافر. أما الشيعي فهو كافر أصلاً. وبالنسبة إلى المنهج الفكري لدى هذه المجموعة، فهي تقول بـ«عدم استتابة الرافضي وأنه لا يجوز له أن يدخل في الإسلام. وأن لا حلّ للشيعي سوى القتل»، وإن كان قتله يأتي في المرتبة الثانية بعد قتل السنّي المرتد. ولدى السؤال عن إغلاق باب التوبة الذي فتحه الله، يأتي الجواب بمضمون الآية القرآنية: «كيف يهدي الله قوماً كفروا بعد إيمانهم وشهدوا أن الرسول حق وجاءهم بالبينات والله لا يهدي القوم الظالمين أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين خالدين فيها لا يُخفّف عنهم العذاب ولا هم يُنظرون… إن الذين كفروا من بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم وأولئك هم الضالون». كذلك يستندون في حكمهم إلى «سيرة الخلفاء الراشدين، وتحديداً الخليفة الاول أبو بكر الصديق، الذي أوقف قتال الكفار (الغزوات والفتوحات)، ليقاتل المرتدين الذين تركوا الإسلام بعد وفاة النبي»!