بعد ساعاتٍ على اعتداء «جبهة النصرة» على الجيش اللبناني إثر اعتقال أحد قادتها، كان الجميع تحت وقع صدمة لم تُفاجئ أحداً.
القتال في عرسال يقود الى تسليط الضوء على حقيقة مؤلمة. القلمون وجرود عرسال منذ الآن باتت جبهةً واحدة، وكلّ كلام غير ذلك خارج عن الواقعية، وكلّ اطمئنان الى أنّ هذه الجبهة لن تتوسع وهمٌ وسراب.
في الاردن وتركيا، الدولتين القويتين أمسكتا بالحدود، ومنعتا استيراد الفوضى الى أراضيهما، ولو قامت الدولة في لبنان منذ بداية الثورة السورية، بواجباتها من ضبطٍ للحدود ونشرٍ للجيش على طولها من البقاع الى الشمال، لما كان مقاتلو المعارضة السورية قد تجرّأوا على دخول عرسال أو غيرها، ولما كانت هناك حاجة لمعركة في عرسال من الأساس.
أما الآن فلم يعد الكلام في الاسباب مجدِياً إلّا في سياق التفكير بما هو آتٍ من اهتزازات أمنية، كما في سياق متابعة معركة عرسال التي بات الجيش يحظى فيها بغطاءٍ ودعمٍ كامل من كلّ الاطراف.
على صعيد الدعم الداخلي، يحظى الجيش بغطاءٍ كامل لإخراج المسلّحين من عرسال الى داخل سوريا، واستعادة الجنود المخطوفين، بما يعني تحقيق الأهداف الكاملة للمعركة.
أما على صعيد الدعم الدولي والعربي فقد بات واضحاً أنّ الجيش مغطى تماماً بدعمٍ دوليّ غير مسبوق حتى إتمام مهمته، ولن تكون فرنسا أو المملكة العربية السعودية الوحيدتين اللتين تقدّمان الدعم العاجل، فالولايات المتحدة قرّرت في أسرع وقت، مدّ الجيش بكلّ ما يحتاجه من سلاح وذخائر، أسوة بما فعلته في معركة نهر البارد.
لم تعد الاستعانة بدعم خارجي لتطبيق القرار 1701 على الحدود اللبنانية السورية مسألة تفصيلية. الاساس في حماية لبنان وتحييده ينطلق من هذه النقطة التي يرفضها «حزب الله» وحلفاؤه لأنها ستقيّد قتاله في سوريا، وستعطي صورة واضحة عمَّن ينتهك الحدود، وستؤدّي الى إصدار تقارير مفصلة ودورية تُحمّل مسؤولية خرق الحدود لمَن يقوم بذلك.
لقد كان وزراء «حزب الله» في الاجتماع الأخير لمجلس الوزراء واضحين جداً في رفض الاستعانة بالقرار 1701 لضبط الحدود، أما حلفاؤهم المسيحيون فقد صمتوا الى أن أعلن العماد ميشال عون أمس أنّ الاستعانة بقوات دولية لمراقبة الحدود ومساعدة الجيش مجرّد وهم، وهذا ما يشكل غطاءً مستمراً لقتال «حزب الله» في سوريا، ولزوال الحدود وقدوم المسلّحين الى الداخل اللبناني.
في معطياتِ بعض الديبلوماسيين أنّ لبنان يمكن أن يتوجّه عبر حكومته بطلب لمجلس الامن الدولي، لتوسيع مهمة «اليونيفيل»، لكنّ هذا الامر يتطلب قراراً من الحكومة، لن يأتي بسبب رفض «حزب الله» وحلفائه، وفي انتظار ذلك فإنّ لبنان الذي أُقحم رغماً عنه في الأزمة السورية، يستمرّ على خط النار. وبصرف النظر عن نتيجة المعركة في عرسال وضرورة حسمها، فإنّ فصولاً أخرى لن يكون حدوثها مستبعَداً، ما دامت شبكة الأمان الوطنية قد ضُربت في العمق.