لماذا يدعم الحريري التمديد للمجلس النيابي إلى حد إعلانه بمقاطعة الإنتخابات إذا جرت؟
«المستقبل» ليس مستعداً لتحمّل مسؤولية خراب لبنان جرّاء الدخول في الفراغ المدمِّر
أخذ الرئيس الحريري على عاتقه مسألة دعم وتسويق التمديد للمجلس النيابي باعتباره الخيار الوحيد المتاح لتجنّب الدخول في الفراغ وتداعياته المدمِّرة
بقلم
عندما طرح الرئيس سعد الحريري مسألة التمديد للمجلس النيابي الحالي قبل أشهر معدودة وأعلن دعمه لهذا الخيار بصراحة مطلقة وحتى النهاية، ووجه بالرفض والاعتراض من بعض حلفائه المسيحيين التقليديين وتحديداً حزبي «القوات اللبنانية» و«الكتائب»، في حين ظهر تمايز واختلاف في صفوف خصومه في تحالف الثامن من آذار بعدما تشبث «التيار العوني» بموقفه الرافض لهذا الخيار بحجة أنه يقطع الطريق على إمكانية حصوله على أكبر نسبة من المقاعد النيابية المسيحية في حال جرت الانتخابات هذه الأيام، بينما مالت باقي الأطراف والقوى في التحالف المذكور الى تأييد ضمني ولو بشكل غير مكشوف تفادياً لانتقادات من هنا أو مساءلة من هناك وفي محاولة لرمي مسؤولية التمديد على الحريري وحده هذه المرة وليس كما حصل في المرة الماضية عندما وجهت «تهمة» التمديد الى بعض هذه القوى دون سواها.
وبالرغم من كل هذه الاعتراضات والرفض من قبل الحلفاء قبل الخصوم لم يتراجع الرئيس الحريري عن موقفه الداعم للتمديد للمجلس النيابي، واستمر في موقفه حتى النهاية ودون رجعة عندما أعلن مؤخراً أن «تيار المستقبل» لن يشارك في الانتخابات النيابية إذا جرت، الأمر الذي أحدث هزة قوية لدى الجميع، حلفاءَ وخصوماً على حدّ سواء، وفرض اجراء مراجعة للمواقف المعلنة من التمديد، تأييداً أو رفضاً، باعتبار أن هناك استحالة باجراء أي انتخابات نيابية بمعزل عن مشاركة «تيار المستقبل» فيها.
والسؤال المطروح هو لماذا قاد الرئيس الحريري حملة التمديد للمجلس النيابي بنفسه هذه المرة، وما هي الأسباب الحقيقية التي دفعته لتبني مثل هذا الخيار حتى النهاية، من دون مساومة أو تراجع عنه في ضوء الاعتراضات الحاصلة عليه؟
تجيب مصادر الرئيس الحريري بالقول أن زعيم «تيار المستقبل» لم يتخذ قرار تبني وتسويق مسألة التمديد للمجلس النيابي الحالي هكذا من هباء أو لأنه يرغب أو يريد ذلك لأسباب شخصية، بل ارتكز في دعم هذا التوجه إلى جملة أسباب ومعطيات ووقائع ملموسة لا يمكن تجاهلها أو القفز فوقها، أوّلها استحالة تنظيم اجراء الانتخابات النيابية في هذه الظروف الصعبة والبالغة الحساسية التي يمر بها لبنان في الوقت الحاضر وخصوصاً في ظل التوتير الامني المتنقل من منطقة لأخرى بفعل حرائق وتداعيات الحرب الدائرة في سوريا والعراق ومشاركة «حزب الله» بالقتال إلى جانب نظام الاسد، وملامسة هذه الحرائق قرى وبلدات حدودية وتمددها نحو طرابلس وبعض مناطق الشمال وغيره، وثانيها، الوجود الفوضوي لمئات آلاف النازحين السوريين على امتداد الاراضي اللبنانية وما يرتبه هذا الانتشار من تحديات أمنية بالغة الحساسية والخطورة، وثالثها حدّة الانقسام السياسي السائد في لبنان جراء تعطيل اجراء الانتخابات الرئاسية قسراً بترهيب سلاح «حزب الله» وضعف هيبة الدولة ومؤسساتها وسلطاتها كافة جراء ذلك وتحول هذا الانقسام السياسي في احيان عديدة الى انقسام مذهبي ومحاولات إشعال فتن في هذا الخصوص، تارة بفعل عمليات خطف وتارة اخرى لتصفية حسابات وما شابه ذلك كما حصل مؤخراً في منطقة البقاع اكثر من مرّة.
وتضيف المصادر المذكورة انه استناداً إلى هذه الوقائع التي يعايشها اللبنانيون يومياً وما حصل ويحصل في عرسال وطرابلس والبقاع وغيرها وما نقله وزير الداخلية من محاذير في هذا الخصوص إلى كل المسؤولين الكبار والمعنيين والتي تصبّ في خانة استحالة اجراء الانتخابات النيابية في هذه الظروف الصعبة، ارتأى الرئيس الحريري دعم مسألة التمديد للمجلس كخيار مفروض فرضاً، لئلا يدخل لبنان في حال من الفراغ السلطوي وتفكك المؤسسات الدستورية وتحلل الدولة ككيان وسلطة، وما يمكن ان يترتب على ذلك من نتائج كارثية، ليس على لبنان كدولة وكيان فقط، وإنما على صيغة العيش المشترك بين اللبنانيين جميعاً.
ولذلك، أخذ الرئيس الحريري على عاتقه مسألة دعم وتسويق خيار التمديد للمجلس النيابي، مدافعاً عن هذا الخيار الصعب باعتباره الخيار الوحيد المتاح في ظل الظروف الصعبة والمعقدة لتجنب الدخول في الفراغ وتداعياته المدمرة، ومتلقفاً الانتقادات من كل حدب وصوب وما أكثرها، ومكرراً أنه يتحمل مسؤولية التمديد المطروح، لأن البديل المطروح هو خراب البلد وهو ليس مستعداً لتحمل مسؤولية وصول لبنان إلى مرحلة الخراب التي يسعى بعض الأطراف للوصول إليها عن قصد او غير قصد، وهو سيبذل قصارى جهده ويجند كل امكانياته لمنع بلوغها.