IMLebanon

لماذا يُساعَد العراق والأكراد وليس سوريا؟ أميركا والغرب أمام افتضاح الإزدواجية مجدّداً

بعد اشهر قليلة من انطلاق الثورة السورية السلمية ضد النظام الذي انتقل بها سريعا الى مواجهة عسكرية عنيفة وكان التدخل الغربي في ليبيا من اجل الانتهاء من حكم معمر القذافي في اوجه، شعر المنتفضون السوريون وفق ما عبروا آنذاك بان التدخل الغربي لانقاذهم غير محتمل بناء على اعتقاد او اقتناع بانه لو كانت بلدهم تقوم اساسا على النفط كما هي الحال في ليبيا لكان تدخل الغرب مسرعا بذرائع مختلفة من اجل انهاء المواجهات القاتلة. ومع التطور الذي استجد اخيرا في العراق من خلال عودة التدخل الاميركي بتوجيه ضربات عسكرية او مساعدة الاكراد من اجل وقف تقدم تنظيم داعش نحو اربيل عاصمة كردستان العراقية، برز موضوع النفط مجددا والقلق من سيطرة التنظيم اكثر فاكثر على حقول النفط التي تعد من اكبر الحقول في العالم سببا من الاسباب التي دفعت الولايات المتحدة الى المبادرة الى توجيه ضربات عسكرية نوعية تزامنا مع استعداد الاتحاد الاوروبي للمساعدة، وهو لا يقل مصلحة في النفط الذي يبيعه الاكراد الى الدول الغربية عن مصلحة الاميركيين في هذا الاطار. وهذه الذريعة المتعلقة بالمصالح النفطية لم تبرز الى الواجهة في تبرير عودة التدخل الاميركي الذي ينسف كل منطق الرئيس الاميركي القاضي بالانسحاب من الازمات الخارجية وليس التدخل فيها، بل برزت الاعتبارات الانسانية المتصلة بتهجير داعش الاقليات المسيحية والايزيدية من مناطق سيطرتها، الامر الذي لا يمكن التهاون في شأنه. وهو تحديدا ما اثار تساؤلات عن اسباب مساعدة الغرب العراق والاكراد عسكريا وعدم مساعدة السوريين ان لجهة مواجهة توسع تنظيم داعش او لجهة الضغوط التي مورست من اجل الاتيان ببديل من نوري المالكي. بدا السوريون على هذا الصعيد اقل حظا من ليبيا على رغم غرق الاخيرة في الفوضى واقل حظا من العراق ايضا بغض النظر عما قد تؤول اليه الامور فيه والذي يشكك كثر في امكان نجاحه لاعتبارات مختلفة. لكن من السذاجة الاعتقاد في الوقت نفسه ان الاسباب الانسانية او الاخلاقية هي التي تحرك الدول فقط في اتجاه التدخل في منطقة ما وليس مصالحها ايا كان نوعها حين تلتقي مع الاعتبارات المذكورة كما كانت حال فرنسا في التدخل في مالي مثلا في احدث الامثلة على ذلك او كما قيادتها التدخل في ليبيا ايضا.

مساعدة الولايات المتحدة للاكراد العراقيين عبر التدخل العسكري ضد داعش ابرزت تناقضاً جوهرياً كبيراً في المنطق الذي استخدمه الرئيس الاميركي باراك اوباما في تبرير الامتناع عن توجيه ضربة عسكرية الى النظام السوري ردا على استخدامه السلاح الكيميائي ضد شعبه وفق ما يرى مراقبون ديبلوماسيون. فهو كرر في الاسابيع والاشهر القليلة التي تلت احجامه عن توجيه الضربة نتيجة تجاوز بشار الاسد خطاً أحمر كان وضعه الرئيس الاميركي نفسه لاستخدام السلاح الكيميائي “ان قدرات الولايات المتحدة لها حدود. واظن انه غير صحيح الاعتقاد باننا كنا في موقف نستطيع فيه من خلال توجيه ضربات محددة الاهداف ان نمنع حصول ما نراه اليوم حاصلا في سوريا “. وهو ربط فاعلية الضربات المحددة ونجاحها بانها “ما كانت لتفيد كثيرا ما لم يتورط الجيش الاميركي في تدخل عسكري طويل الامد في هذا البلد”. ولقيت تبريراته ولا تزال انتقادات كبيرة من خبراء سياسيين في الولايات المتحدة لانه جعل الامر يبدو وكأنه لا يمكن النجاح من دون انخراط فعلي على الارض وهو ما كان يسعى الى التجاوب في شأنه مع المزاج الاميركي الرافض لاي انخراط عسكري مباشر وكبير للقوات الاميركية في حروب خارجية، في حين ان انخراطا من هذا النوع لم يطرح في اي مرحلة.

ما تقوم به الولايات المتحدة في العراق وفي مساعدة الاكراد يسقط تبريرات الرئيس الاميركي ويظهر انه كان يمكن الولايات المتحدة ان توجه ضربات نوعية محددة من اجل تغيير منحى الامور في سوريا وانها تملك القدرة على تغيير اتجاه المد العسكري لو انها ارادت او لو ان مصالحها لم تتأمن بالاتفاق الذي اقترحته روسيا وقضى بنزع الاسلحة الكيميائية لدى النظام وتعاونه في تسليمها. والسيناريو الذي اعتمدته مع الاكراد كان ليصح مع معارضين سوريين اوفدت لهم واشنطن مستشارين عسكريين كما قالت انها اوفدت راهنا الى اربيل من اجل مساعدة الاكراد.

يقول المراقبون انه اذا صحت التبريرات القاضية بدحر داعش وضربها فان السؤال الذي يطرح هو ما اذا كانت الولايات المتحدة مستعدة لتنفيذ عمليات مماثلة ضد هذا التنظيم في سوريا انطلاقا من ان المنطق نفسه ينسحب على البلدين الجارين علما ان اقتصار التبريرات على العراق محرج للغرب عموما ما دامت المبررات هي نفسها مع اختلاف تعاون ايران في العراق راهنا وعدم تعاونها في سوريا في اي مرحلة بعد. وقد عمد رئيس الائتلاف الوطني السوري الى مطالبة الولايات المتحدة بالتدخل في سوريا كما تدخلت في العراق من اجل انقاذه من التنظيم الارهابي داعش معتبرا ان عدم رحيل النظام يعني مزيدا من الارهاب، في الوقت الذي اعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الاستعداد للتعاون مع ايران ايضا في مواجهة تنظيم ما يسمى الدولة الاسلامية جنبا الى جنب مع التعاون مع الدول العربية.