IMLebanon

لماذا يُعارض أهالي كفرحي «المنطقة الحرّة» في بلدتهم؟

بعد سلوك مشروع قانون المنطقة الاقتصادية الحرّة في كفرحي – قضاء البترون، مسارَه التشريعي، يطرح الأهالي تساؤلاتٍ عدّة عن الغاية من إنشاء هذه المنطقة في بلدتهم الواقعة في الجرود، خصوصاً أنّ المناطق الحرّة تقع عادةً بالقرب من الموانئ البحرية والمطارات لتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير.

لم تكن الرابطة المارونية تُدرك أنَّ مشروع إنشاء منطقة اقتصادية حرّة في البترون على مساحة عقارية تابعة للأبرشية المارونية، الذي أطلقه رئيسُها السابق جوزف طربيه العام الماضي، سيخلق بَلبلة كبيرة في البلدة. ويسعى السكّان اليوم، بعد إقرار مشروع القانون في مجلس النواب، إلى منعِ تنفيذه بشتّى الوسائل، مؤكّدين أنّه «يضمّ ثغراتٍ قانونية عدّة قد تؤدّي مع مرور الزمن، إلى تهجير أبناء البلدة قسراً».

وفي هذا الإطار، يقول المختار يوسف بولس لـ»الجمهورية»، «إنّنا لن نرضى بأن تصبح بلدتنا شبيهة بالسوق العمومي، فيُقضى علينا بيئياً وصحّياً، خصوصاً أنّنا ندرك جميعاً كيف تُطَبّق القوانين ويُتلاعب بها لمطامع شخصية»، ويسأل: «ما النفع من استثمار وتقوية عقار كبير في القرية، إذا كان سيؤدّي إلى «تهشيل» أهلها؟»، مستبعداً توظيفَ أبناء البلدة في المنطقة، لأنّ «الرواتب التي سيدفعونها لن تناسب أيّ لبنانيّ لديه عائلة يعيلها، الأمر الذي سيسهّل عليهم التعامل مع الغرباء والأجانب، وبهذه الحال، أين سيقطن هؤلاء؟».

بدوره، يوضح البروفسور يوسف المصري، المتخصّص في الفيزياء النوَوية والطبّ النووي، وهو الذي كلّفه أبناء كفرحي وضعَ دراسة عن تداعيات المنطقة الحرّة، أنّ «خلق 5000 فرصة عمل سيزيد عدد السكّان إلى نحو 14100 شخص، من ضمنهم فقط 6150 من البالغين والناخبين المحتملين».

ويلفت عبر «الجمهورية»، إلى أنّ «هذا الاضطراب الديموغرافي يتطلّب مساحة إجمالية متاحة للسَكن تصل الى حدود 47.2 هكتار، كما سيستهلك السكّان الجُدد 1MWh شهرياً من الطاقة الكهربائية وألف متر مكعّب يومياً من المياه، إلى جانب احتياجات المصانع نفسها».

واستناداً إلى ما تقدّم، يطالب أهالي كفرحي «جميعَ صنّاع القرار السياسي والاقتصادي الداعمين للمنطقة الحرّة، بالتخلّي عن مشروعهم وإنشائه في منطقة أكثر تكيّفاً ديموغرافياً واقتصادياً، وتحديداً قرب الميناء أو المطار أو على الأقلّ على ساحلٍ يستفيد من طرُقٍ رئيسة موجودة أصلاً وبُنى تحتية متطوّرة جداً».

في المقابل، يستغرب عضو الرابطة المارونية العميد بردليان طربيه عبر «الجمهورية»، «امتعاضَ الأهالي من هكذا مشروع إنمائي يؤمّن فرص عمل جديدة ويساهم بازدهار البترون وتحقيق النموّ المتوازن بين المناطق».

ويرى أنّ «شكاوى البعض تعود لغايات شخصية، على اعتبار أنّ أحداً لم يُشركهم في المشروع أو يأخذ برأيهم، وكلّ ذلك نكايةً بمطران الأبرشية منير خير الله، علماً أن لا دور إداريّاً له «، لافتاً إلى أنّ «المراسيم ستصدر لاحقاً»، داعياً «كلّ من يملك عقاراً كبيراً يريد استثماره، إلى عرضه علينا، ولن نمانع استئجاره واستخدامَه لهذه الغاية».

وإذ يشير الى أنّ «الرابطة وضعَت دراسات لهذا المشروع، ثمّ اقتراح قانون، وزارت شخصيات المنطقة والكتل النيابية التي رحّبت به، وقد وقّعه النواب وسُجّل في مجلس النواب ليسلك مسارَه التشريعي»، يؤكّد أنّ «المنطقة الاقتصاديّة الحرّة ستكون مَعفيّة من الضرائب والرسوم، لأنّها تُصدّر كلّ منتجاتها إلى الخارج، وستُخصَّص في جذبِ الاستثمارات في قطاعات محدّدة هي المعلوماتيّة والتكنولوجيا والاتصالات، وبالتالي لا تشمل الصناعات الكبيرة والمصانع الثقيلة أو المزارع وغيرها»، موضحاً أنّ «المشروع يرمي إلى تحفيز أصحاب الرساميل بُغية تفعيل المشاريع الاستثمارية في حقل التكنولوجيا والنشاطات المتنوّعة في ابتكارات وبرامج واستثمارات ومكاتب دراسات».

وإذ ينتقد طربيه من يعتبرون أنّ هذه المنطقة لن تستقطب إلّا الغرَباء للعمل فيها، يقول: «الهدف من المشروع هو إنماء المناطق البعيدة عن العاصمة وتمكين المواطن من العيش فيها. وهذا المشروع يُحفّز المستثمرين اللبنانيين الذين سينضمّون الى المنطقة الحرة، على الاستثمار في لبنان، بسبب التسهيلات والحوافز والإعفاءات، ما يخلق دورة اقتصادية شاملة»، مشدّداً على وجود «رقابة على كلّ ما يدخل ويخرج من المنطقة الحرّة».

وإذ يدعو المعترضين إلى «التواصل معنا وإطلاعنا على هواجسهم»، يكشف طربيه أنّ «الرابطة تدرس إطلاق مناطق اقتصاديّة حرّة أخرى لكي يتحقّق النموّ المتوازن بين مختلف المناطق اللبنانيّة، وقد بدأنا في البترون حيث هناك مشاريع بُنى تحتيّة قيد الإنجاز، فهذه المنطقة محاطة بأفضل جامعات لبنان وتتمتّع بموقع جغرافي مميّز وبطبيعة جاذبة وآمنة».

البلدية تشجّع… ولكن

من جهته، ينفي رئيس بلدية كفرحي جورج عقل لـ»الجمهورية»، معارضة البلدية إقامة المنطقة الاقتصادية الحرّة، معتبراً «أنّه سيُسهم في إعمار المنطقة، ولكن في الوقت نفسه، نعترض على مشروع القانون الذي وقّعه النوّاب بعدما درسناه موضوعياً»، كاشفاً «أنّنا نطالب بسَحبه وإعادة درسه وصَوغه مجدّداً، لأنّه يحوي ثغرات قانونية عدّة».

ويشرح عقل طريقة التلاعب بالكلمات والعبارات، فيقول: «صحيح أنّ الأسباب الموجبة تنصّ على أنّ «المنطقة الحرة متخصّصة بصناعة المعلوماتية والتكنولوجيا والاتصالات والنفقات المرتبطة بها» في الصفحة الأولى، لكنّ الصفحات المتتالية لا تذكر عبارة «منطقة صناعية» فقط، ما يترك مجالاً للالتباس ويشرّع تمرير صناعات غير تكنولوجية وغير محدّدة، في بلدات بترونيّة عدّة بلا تحديد بلدة واحدة».

ويضيف: «نصّ مشروع القانون على أنّ «الإجازة صادرة عن الهيئة العامة لإقامة مشروع استثماري مسموح فيه بالمنطقة»، ووَرد في البند الخامس من الفصل الأوّل أنّ «المستفيد هو الشخص الطبيعي أو المعنوي الحائز على الموافقة والذي يشغل موقعاً محدّداً في المنطقة، يقيم فيه أيّ مشروع استثماري، وقد يكون مستفيداً واحداً أو أكثر». وهنا يقتضي تحديد ماهية «المشروع الاستثماري» والنشاطات المسموح بها، كما ورد في الأسباب الموجبة».

ويلفت عقل إلى عبارة «أنّ المشغّل هو الشخص الطبيعي أو المعنوي الذي يمكن أن يتولّى مسؤولية تشغيل واستثمار المنطقة كلّياً أو جزئياً، ضمن نطاق العقد المنظّم مع هذه الهيئة القائمة على المنطقة الحرّة»، معتبراً أنّ «ما ورَد يعني الاحتكار، وهو أمرٌ لن نرضى به».

ويرى عقل أنّ «صناعة تكنولوجية لا تحتاج إلى مساحة 200 ألف متر مربّع»، مطالباً بـ»توضيح هذه النقاط، وإلّا سنقف ضد المشروع». وإذ يشير إلى أنّ القانون نصَّ على أنّ «المخطط التوجيهي هو التصميم والنظام التفصيلي الذي يحدّد قواعد وشروط استعمال الأرض ضمن المنطقة وفق ما نصَّت عليه المادة 8 من المرسوم الاشتراعي، وقانون التنظيم المدني والاتّفاقات والشروط التي تفرضها الهيئة في مجالات البيئة والصحة وغيرها»، يطالب بـ»إضافة عبارة «عملاً بالقوانين الصحّية والبيئية»، وذلك لمنع الهيئة من فَرض الشروط التي تناسبها».

ويلفت عقل الى أنّ المادة الثانية المتعلقة بإنشاء الهيئة العامة تنصّ على أنّ الهيئة «تتمتّع بالشخصية المعنوية والاستقلال الإداري والمالي… وتملك الأملاك المنقولة وغير المنقولة اللازمة لتحقيق أهدافها، وبالتالي يقتضي توضيح مصير أملاكها، في حال حُلّت الهيئة بموجب قانون». وإذ لا ينفي أنّ «الأبرشية قدّمت 200 ألف متر للمشروع إيماناً منها بأنّه سيوظّف أبناء المنطقة»، يرى أنّ «القانون لا يلزمهم بتوظيف أبناءَ المنطقة، لذلك يتوجّب تعديله وتأكيد ضمانة استقطابهم».

زهرا: فهم مغلوط للمشروع

وفي هذا السياق، يؤكّد النائب أنطوان زهرا لـ»الجمهورية»، أنّ «الاعتراضات تأتي نتيجة فهم مغلوط للمشروع، فهناك من روَّجَ أنّ المطران خيرالله يسعى لإنشاء منطقة صناعية وسيحضّر مسائل تضرّ بالبيئة والصحّة»، موضحاً أنّ «المشروع هو منطقة حرّة للـhigh technologies فئة ثالثة صديقة للبيئة، وبالتالي مشروع تطويري ممتاز جداً للمنطقة يخلق فرَص عمل، وبالتالي سيصدر قانون صارم جداً من الناحية البيئية والمواصفات العالية، ما سينعش المنطقة ويحافظ على معايير بيئية عالية جداً».

ويشدّد زهرا على «أنّنا لن نتساهل في المواصفات، ولن نتساهل مع أيّ انحراف بالمشروع نحو الصناعات التقليدية أو الملوّثة أو المسبّبة للضجيج»، لافتاً إلى أنّ «القانون واضح جدّاً في هذا الإطار. صحيح أنّه لا ينصّ على أنّه حصراً لصناعات الكمبيوتر، لكنّ الهدف الأساسي هو أن تخصّص المنطقة لصناعات تجميع الكمبيوتر والبرمجة وغيرها».

ويلفت زهرا إلى أنّ «إعداد القانون وصياغته التشريعية والقانونية ليست مزحة، بل احتاج العمل عليها لأكثر من عام»، موضحاً أنّ «الرابطة كلّفت مسؤولاً عن الاستثمارات، وهو ابن المنطقة، ومتحمّس، فاستند في صياغته الى اقتراح مشابه وواضح الأهداف أقِرَّ وأصدِر مرسوم فيه سابقاً في منطقة أخرى». ويضيف: «في حال تبيَّن في متن هذا القانون، ثغرات يمكن أن يسرَّب منها أيّ تلاعب بالهدف الذي وافقنا عليه، سنتكفّل بتعديلها خلال مناقشتها في اللجان، سواءٌ أكانت لجاناً متخصّصة أم لجاناً مشتركة، أو بإقراره في الهيئة العامّة».

ويرى زهرا أنّه «ليس شرطاً أن تكون المنطقة الحرّة على الساحل، والمهم أن تكون طرق المواصلات مؤمّنة والبُنى التحتية موجودة. والبترون اليوم على مشارف الانتهاء من إنجاز الشريان الرئيس الذي هو أوتوستراد تنورين – البترون، بحيث يُصبح الوصول الى كفرحي من بيروت، يحتاج الى أقلّ من ساعة»، معتبراً أنّ «حاجة لبنان الأساسية والمُلحّة اليوم هي إعادة ترسيخ الناس في قراهم، لأنّ الهجرة الداخلية هي مقدّمة للهجرة الخارجية، فأهمّ شيء هو إقامة مناطق حرّة في الأرياف، ليبقى السكّان في منازلهم».

وإذ يشير الى أنّ «المنطقة الحرة هدفها خروج البضائع مختومة إلى المرافئ الأخرى، وأن يكون فيها نقطة جمركية للتأكّد ممّا يحصل، ويمكن أن تكون أينما كان على ارض لبنان»، يُشدّد زهرا على «أنّ مصلحة كفرحي والبترون هي الأساس بالنسبة إليّ ولسائر النواب، والمفروض أنّها بالنسبة الى المطران خيرالله وللمهتمين بالرابطة، أنّها حيويّة وتتقدّم على أيّ مصلحة اخرى، وليس وارداً إطلاقاً القبول بأيّ أمر يضرّ المنطقة وأهلها».