بقطع النظر عن الجهود السياسية الرامية إلى دعم الجيش وتوفير الغطاء السياسي الموحد حيال تحركه لمواجهة الاعتداءات التي يتعرض لها في منطقة عرسال على أثر إعتقاله احد مسؤولي “جبهة النصرة” احمد جمعة، فإن القراءة السياسية لما تشهده البلدة وجرودها من معارك في ظل الوجود المسلح الكثيف ,المعطوف على وجود أكثر من 120000 نازح سوري فيها، تذهب إلى أبعد من مجرد مواجهات قائمة على خلفية تسليم الموقوف.
فحجم الخسائر التي تكبدها الجيش ومجرى العمليات العسكرية يؤشران الى جهوزية عاليه للمسلحين واستعدادات طويلة مسبقة لها، تعززها الظروف الطبيعية والجغرافية للمنطقة، حيث يتغلغل هؤلاء في الجرود بما يجعل قدرة الجيش على السيطرة عليهم بالسرعة المطلوبة صعبة ومكلفة. وقد تجلى ذلك في اليومين الأولين للمعركة.
ويطرح السؤال في الاوساط السياسية هل كان ثمة من يدفع إلى إستدراج الجيش إلى المعركة لمواجهة الحركات الاصولية المتطرفة داخل الاراضي اللبنانية بعدما كان “حزب الله” برر إنخراطه في الحرب في سوريا بمواجهة هذه الحركات ومنع تمددها الى لبنان، وبدا أنه لم ينجح في ذلك بدليل ان الاصوليين أصبحوا داخل الاراضي اللبنانية؟
السؤال الثاني الذي يطرح نفسه في الاوساط السياسية: اين يقف الحزب من المواجهة القائمة مع الاصوليين وهل المعلومات التي تتردد عن تورطه فيها صحيحة، خصوصا ان البيان الاخير الصادر عنه لم يتضمن أي نفي لما يتردد، بل جاء بمثابة تصفية لحسابات داخلية لا يبدو الزمان والمكان مناسبين لها، على ما تقول مراجع سياسية بارزة، كاشفة عن اتصالات جرت مع الحزب من اجل نفي ما يتردد لكن هذه الاتصالات لم تفلح إذ جاء البيان ليزيد الشكوك في موقع الحزب مما يجري.
واذ استغربت المراجع موقف الحزب رأت أن لا مصلحة له في المشاركة في مثل هذه المعركة لأنها ستؤدي حتما إلى إشعال فتنة مذهبية ليس لأي من السنة أو الشيعة مصلحة فيها. اما في شأن إستدراج الجيش الى المواجهة، فهي إذ نوهت بالجهود والتضحيات التي يبذلها عناصره في دفاعهم، اشرت إلى ان المعركة القائمة اليوم لا تشبه ابدا معركة نهر البارد من حيث العدد والحجم وبالتالي، لن تكون نتائجها مثلها كذلك.
وعليه، لفتت النظر الى ضرورة التعامل والتطورات الحاصلة بحس عال من الوعي والمسؤولية مشيرة الى اهمية الموقف اللبناني الرسمي المتضامن والداعم للجيش.وفي هذا السياق، ينتظر ان يصدر عن جلسة مجلس الوزراء الاستثنائية المقررة قبل ظهر اليوم موقف واضح في هذا الشأن. وعلم أن رئيس الحكومة تمام سلام سيتحدث بعد الجلسة لشرح موقف الحكومة من التطورات ويؤكد الدعم المطلق للمؤسسة العسكرية. وهو قال لـ”النهار” امس ان لا تخاذل ولا تراجع ولا تشكيك والمطلوب الوقوف صفا واحدا ويدا واحدة وراء الجيش، وهذا لا يتم الا بوحدة الصف والموقف اللبناني لمواجهة الارهاب”، كاشفا عن سلسلة اتصالات داخلية وخارجية أجراها “من أجل الضغط في اتجاه وقف المعارك الدائرة ووضع حد لتسلل الارهاب الى الداخل اللبناني وتفويت الفرصة لإمكانية زعزعة الاستقرار الداخلي”، داعيا كل القوى للعمل “من اجل مواجهة عدو لا لون له ولا دين” و”التعالي عن الحسابات الضيقة أمام حجم المشكلة المطروحة”.
لكن الموقف الرسمي على اهميته في احتضان المؤسسة العسكرية لا يلغي بعض الملاحظات التي تسجلها المراجع السياسية البارزة وهي تدرجها في هذا السياق:
– التنبه الى منع انتقال الحرب السورية الى لبنان تحت اي ذريعة او مسمى. وعلى لبنان بكل قواه السياسية واجهزته العسكرية تجنب الشرور التي تستجلبها القوى التكفيرية الى ارضه فلا يخوض المعارك على اساس مواجهة هؤلاء، بل التوحد وراء موقف رسمي داع الى إنسحابهم من لبنان. والترجمة العملية لهذا الكلام يجب ان تتم عبر السلطة السياسية التي يعود لها تولي مسؤولية هذا الامر وتحقيقه.
– اذا كان من المهم ان يعزل لبنان نفسه عن هذه المواجهة وينأى عن الحرب السورية وتداعياتها، فهذا لا يعني في الوقت عينه الا يحافظ على كرامته وكرامة العسكريين المخطوفين، وهذا الامر يعود بدوره للسلطة السياسية. ولجلسة مجلس الوزراء اليوم أن توفر الغطاء السياسي للجيش لإتخاذ الاجراءات الآلية لإستعادة العسكريين واعادة الامن الى المنطقة. ولا تخفي المراجع السياسية المشار اليها قلقها من المحاذير المترتبة عن التطورات العسكرية الاخيرة، مشيرة الى ان إستدراج الجيش الى خوض المعارك، كما هو حاصل من شأنه ان يستنزف البلاد والجيش ويمتد مدة غير قصيرة من الزمن.