عندما سألتُ البائع الملتحي في المتجر العربي عن توقيت أي بلد يعتمد ليمسك ويفطر في رمضان، التفت اليّ مستهجناً، وأجاب: «توقيت لندن بالطبع! انها مدينة إسلامية».
يومها كان «أبو قتادة» لا يزال يصول ويجول في مساجد العاصمة البريطانية والحكومة عاجزة عن ترحيله. لكنه اليوم يحاكم في الاردن ويتحدى القضاة بصفاقة. وكان «ابو حمزة المصري» قد سُلم لتوه الى الولايات المتحدة التي دانته قبل أيام برعاية الإرهاب… ولا أدري أين أصبح البائع الذي يشجع رأيُه البريطانيين على الانضمام الى «الحزب الوطني» المتطرف المعادي لكل ما هو «غريب»، وخصوصاً المسلمين.
تذكرت هذه الواقعة مع الأخبار التي تتحدث اليوم عن دعوات في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة الى مقاطعة فنادق ومؤسسات تملكها سلطنة بروناي بسبب اعتمادها الشريعة الاسلامية، ويقودها مشاهير وأثرياء اميركيون وبريطانيون يمتلك بعضهم بالتأكيد مصالح كبيرة في العالم الاسلامي، وبينهم مؤسس شبكة «فيرجين» ريتشارد برانسون.
ومع أن هذه ليست دعوة لمقاطعة المقاطعين ولا للانتقام منهم بأي شكل كان، الا انه لا بد من طرح مجموعة من الأسئلة أمام هذا العجز المتبادل عن تفهم الآخر واحترام ثقافته وخياراته وخصوصيات مجتمعه.
ولنبدأ بالمتطرفين الذين يعتبرون دول العالم الغربي «ساحة جهاد»، فيحلّون دم أبنائها وأرزاقهم، وينتحرون بينهم على أرضهم، فهل كانوا ليأتون الى اوروبا واميركا لو وجدوا «لقمة حلالاً» في دولهم تكفيهم الجوع، ومدارس لتعليم اولادهم بالمجان، وتأميناً صحياً، وحكومات تمنح العائلات المعوزة معونات شهرية تقيها الذل. وعلى رغم ذلك لا يعترفون بحسنات الأنظمة «الكافرة» بل يبدون رغبتهم في تغييرها حتى بالقوة.
ثانياً، لماذا «تجريم» اعتماد الشريعة الاسلامية الذي لجأ اليه هؤلاء المقاطعون بدعم وتشجيع من بعض المسؤولين المحليين والمنظمات الحقوقية؟ ولماذا الخلط المقصود بين الاسلام وبين التطرف واعتبار كليهما خروجاً على مبادئ حقوق الانسان؟
ولنسلم بأن هذه مبادرة محدودة وراءها نفر قليل من المهووسين بالشهرة ولا تلقى دعم الحكومات والسلطات في بريطانيا واميركا، لكن الا يفتح نجاحها الباب امام تحركات مماثلة في المستقبل ضد رساميل واستثمارات تمتلكها دول تطبق الشريعة الاسلامية مثل دول الخليج العربية؟ وهل هناك ضمانات كافية مثلاً للمصارف الاسلامية العاملة في العواصم الغربية؟
وما الذي يمنع ان تقدم مجموعات من الاشخاص او الهيئات في هذه الدول على اتخاذ قرارات مماثلة ليس فقط ضد المسلمين بل ضد اي مجموعة عرقية تختلف عنهم في الملبس او المأكل او السلوك الاجتماعي، او تصلي لإله لا يعترفون به؟ ألا يذكّر هذا بالنازية؟
ألم يتعرض العرب خصوصاً والمسلمون عموماً لتصرفات انتقامية عشوائية بعد اعتداءات 11 ايلول (سبتمبر) في اميركا و7 حزيران (يونيو) في بريطانيا، فما الذي يمنع تكرارها؟
وكيف يفترض ان ترد سلطنة بروناي على استهدافها بهذا الشكل، وهي التي تستقبل على ارضها شركات غربية تنهل من حقول نفطها وغازها؟ وما هو موقف الدول الاسلامية الاخرى؟ هل يفترض بها ان تتضامن مع السلطنة ام تكتفي بالتفرج في انتظار انقضاء الهمروجة؟
ربما غرّ البائع الملتحي انه يملك في لندن حرية لا يعرفها في بلده، لكنه نسي ان التسامح هنا تفرضه قوانين يشرّعها ممثلو العامة الذين بدأوا يعطون اصواتهم اكثر الى اليمين المتطرف كرد فعل على تصرفات من ينسبون انفسهم الى الاسلام. لكن في المقابل، ليت الذين يحاولون «إراحة ضمائرهم» بالاحتجاج امام فنادق تمتلكها بروناي، ينظمون ولو تظاهرة واحدة على الأقل ضد «العلماني» بشار الاسد الذي قتل من مواطنيه في ثلاث سنوات اضعافاً مضاعفة من ما يخشون ان «تقتله» الشريعة عند حسن بلقية في ألف عام.