على رغم كل ما مر في تاريخنا كلبنانيين من تجارب وحروب واقتتال كما من احتلالات ووصايات وهيمنات خارجية متعاقبة، لم يعرف لبنان مرحلة مصيرية بكل ما للكلمة من معنى وخطورة كتلك التي يواجهها الآن. تكفي للدلالة على ذلك الصدمة الهائلة التي جعلت كل لبناني يشعر بما لم يسبق له ان شعر به بعد توزيع الصورة المزعومة لذبح الجندي علي السيد والتي أراد تنظيم “الدولة الإسلامية” من خلالها ان يمرر رسالة الترويع الإجرامية الى جميع اللبنانيين.
لم يعد الوقت يسمح بالمضي في ملهاتنا الداخلية بالكلام الفارغ والسطحي والسخيف. فلبنان وجميع اللبنانيين أمام خطر وجودي يقتضي خروجاً سريعاً من مرحلة الغيبوبة السياسية والاجتماعية لدى الجميع واستعداداً لكل الاحتمالات. بذلك لا نغالي ان قلنا إننا جميعنا مدعوون الى ان ندافع عن وجودنا، وان نثبت لمرة في تاريخنا، اننا قادرون على هزيمة الخطر المحدق بنا بكوننا مواطنين فقط لا اتباع طوائف ومذاهب وأحزاب وعقليات ضيقة ومتعصبة. لقد وحّدت شهادة شهداء الجيش على أرض المعركة وفي الاسر اللبنانيين على نحو لم تفعله من قبل اي تجربة حربية أو ارهابية، وشعر كل لبناني، ان جنود الجيش وأفراد قوى الأمن الداخلي الأسرى، هم أبناء عائلته المفجوعة والخائفة والمرتعبة. من هنا تماماً يجب ان نمضي في بلورة وحدة لبنانية عارمة جارفة تقف سداً منيعاً أمام مؤامرة الفتنة التي تبثها التنظيمات الارهابية في لبنان. ليس هناك بعد اليوم في لبنان مسيحي ومسلم، سني وشيعي ودرزي، ليس هناك الا عنوان واحد يرتفع فوق لبنان، هو ان اللبنانيين في المواجهة المصيرية هم لبنانيون فقط وهم واحد.
رُبَّ قائل إن هذا كلام وجداني جميل لكن ترجمته مستحيلة في وطن الطوائف والمذاهب الذي لم يعرف يوماً وحدة حقيقية. ونقول انه ما لم نفعل ذلك ونترجمه بوقفة تاريخية الى جانب الجيش وخلفه ومعه، وننضوي جميعا في المواجهة ضد الارهاب، فإننا نخاطر هذه المرة بوجودنا وبلادنا. آن الأوان أن نعي جميعاً ونستفيق على ان الخطر مصيري وجودي فعلا. مهما اقتضت المواجهة يجب ان نكون لها، ولا خيار لنا سوى ان نرتفع بسرعة الى مستوى الخطر الذي نخشى ان كثيرين لم يتحسّسوا بعد حجم خطورته. ها هي المنطقة بأسرها ترتجف أمام خطر التنظيم الداعشي، وها هو العالم الغربي لا يزال متثاقلا يتفرج، فيما التنظيم الإرهابي يتوسع في كل يوم. فماذا ترانا ننتظر؟ ألم يحن الوقت، بعد الهجمات على الجيش في عرسال والتهديدات اليومية لأسرانا، لنكون جميعا في حال التأهب والاستعداد لكل الاحتمالات؟ الا يجب ان نكون مجنّدين جميعاً لكل طارئ ولرد التحدي الوجودي بوحدة تاريخية تلتف على الجيش وحوله، وتوجّه الرسالة المدوية الى الارهابيين، بأن اللبنانيين لن يكونوا لقمة سائغة، والى العالم ليهب الى مساعدة لبنان ومنع استهدافه؟ وهل لدى الغائبين عن الوعي خيار آخر؟!