ليس غريباً ولا جديداً أن يقف أهل المقاومة وجمهورها في لبنان قلباً وقالباً مع غزة وشعبها في محنتها الحالية وفي كل محنة، في وجه العدوان الإسرائيلي الغاشم. الغريب والجديد أن يكون بعض أهل المقاومة محايداً في هذه المعركة، أو يعتبر نفسه معنياً بدرجة أقلّ من السابق، فقط عتباً ولوماً أو كيداً من «حماس» التي خالفت محور المقاومة في الفترة الماضية، خاصة موقفها من سوريا وأحداثها الدامية.
في الزوايا والمجالس المغلقة وعلى صفحات التواصل الاجتماعي، بعض كلام يعبّر عن هذا المنحى الذي لا يأتلف ولا ينسجم مع أدبيات المقاومة نفسها ولا مع فكرها ونهجها الذي لم يضيّع البوصلة يوماً، ولم ينحرف عن فلسطين وقضيتها ومقاومتها وظلامة شعبها، ما يستدعي التوقف أمام هذه الظاهرة غير الصحية.
أولاً: لم تكن فلسطين يوماً قضية فلسطينية بحتة معزولة عن قضايا الأمة، بل هي قضية الأمة جمعاء، وحاصل أزماتها من المحيط الى الخليج. ولا يختلف اثنان على أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين هو السبب الأساس لمصائب هذه الأمة وويلاتها وحروبها المستعرة منذ زرع الكيان الصهيوني قسراً وعنوة في هذه المنطقة. ولمن خانته الذاكرة، فإن لبنان دفع ويدفع الثمن الأغلى نتيجة هذا الاحتلال وأحلامه التوسعية والعدوانية.
ثانياً: إن فلسطين ليست «حماس» ولا أي فصيل فلسطيني آخر بحد ذاته. فلسطين هي شعبها المقهور المظلوم المشرد. هي الناس الغلابى القابعون تحت ظلم الاحتلال وجوره، المشردون في أصقاع الأرض وفي ظلام المخيمات وبؤسها القاتل. فلسطين هي الأرض المقدسة التي ولد فيها السيد المسيح، وسرى اليها النبي محمد. هي القدس والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة. هي غزة هاشم التي تحمّلت وتتحمّل ما تعجز عن حمله شعوب الأرض وكائناتها الحية. هي المقاومة البطلة التي علّمت الناس معنى النضال والكفاح من أجل التحرر.
ثالثاً: ليس من باب المبالغة ولا المجاملة أن نكون مع شعب فلسطين «ظالماً كان أم مظلوماً». وعليه ليس هو الوقت الذي تُحاسب فيه «حماس» على ما اعتبر خطأ أو خطيئة ارتكبت في لحظة من التخلي. ثم من قال إن «حماس» هي بعض القادة الذين أخذتهم العزة والأوهام وسط ارتباك عربي شامل. «حماس» الحقيقية هي أولئك المقاومون الأبطال الذي ما أضلوا الطريق يوماً في غزة وخارجها، وها هم اليوم يحملون راية المقاومة ويقلقون عدونا المشترك في طول فلسطين وعرضها.
رابعاً: من قال إن «حماس» هي وحدها غزة، أو هي وحدها من يقاتل في غزة، أو هي وحدها المستهدَف في هذه الهجمة الصهيونية الغاشمة. فماذا عن الفصائل الفلسطينية الأخرى التي تصطفّ كالجسد الواحد في مواجهة هذا العدوان؟ ثم بأي سلاح وصواريخ ومدفعية تواجه «حماس» والفصائل الفلسطينية هذا العدوان، وهل هو غير سلاح المقاومة ومحورها، من لبنان الى سوريا الى ايران، رغم أنف النافخين في نار الفتنة الطائفية والمذهبية؟
ثمة كثير من الكلام يُقال في هذا المضمار، لكن الكلام الذي يجب أن يُقال لبعض أهل المقاومة وجمهورها، إن غزة هي معركتكم، انتصارها نصر لكم، وهزيمتها هزيمة. وحسبكم ما قاله سيد المقاومة قبل عام واحد في آخر جمعة من شهر رمضان المنصرم: «نحن شيعة علي بن أبي طالب في العالم، لن نتخلى عن فلسطين ولا عن شعب فلسطين ولا عن مقدسات الأمة في فلسطين. قولوا عنا رافضة، قولوا إرهابيين، قولوا مجرمين، قولوا ما شئتم، واقتلونا تحت كل حجر ومدر، وفي كل جبهة وعلى باب كل حسينية ومسجد، نحن شيعة علي ابن ابي طالب لن نترك فلسطين».