25 أيار يقترب، ومعه تقترب نهاية سنوات حكم الرئيس ميشال سليمان المنشغل هذه الأيام في الدفع باتجاه إجراء انتخابات رئاسية يسعى بكل جهده لأن تحصل خلال الأيام القليلة والعليلة والمستحيلة القائمة، مستمرا في رفض التمديد أو التجديد له حرصا منه على سلامة التركيبة اللبنانية بدستورها ومبادئها الديمقراطية بعد ما تلقت مؤسسة الحكم في لبنان على كافة مستوياتها جملة من الطعنات التي كادت أن تودي بها وبالدولة ومؤسساتها.
جلسات للانتخاب تتم الدعوة إليها بموهبة إعدادية وتمثيلية معهودة للرئيس بري وحضور مستمر لنواب 14 آذار والكتلة الجنبلاطية الوسطية مشفوعا بحضور نواب كتلة الرئيس بري، المتشبث بحضور أفرادها حرصا منه على شكليات الحياد والتقيد بالأصول البرلمانية «والقواعد الديمقراطية»، في الوقت نفسه الذي تستمر فيه عملية الطعن بالمبادئ الدستورية، من قبل حزب الله والتيار العوني وملحقاتهما من بعض أحزاب الممانعة»، وفي الوقت نفسه الذي يستمر فيه نواب 14 آذار والكتلة الجنبلاطية بتلبية جميع الدعوات لجلسات انتخاب رئيس الجمهورية، وهو موقف ديمقراطي ودستوري وميثاقي واجب الوجود.
نقف وقفة تحسّب وتخوّف وقلق تجاه اقتراب يوم 25 أيار، وهو في الوقت نفسه، موعد مغادرة الرئيس سليمان للقصر الرئاسي بعد أن أدى الأمانة إلى آخر دقيقة في عهده، وبعد أن لملم كل ما يعـود إليه شخصيا من موجودات هذا القصر، ومن بينها جملة من الأوراق والوثائق المتضمنة لجملة من المواقف المشرفة التي اتخذها فخامته في العامين الأخيرين والتي ارتقت به إلى مصاف القادة الكبار ورجال الدولة المتميزين بموضوعيتهم ووطنيتهم وسعة آفاقهم وسلامة نظرتهم إلى المشاكل والمعضلات الحقيقية التي تعاني منها البلاد، الأمر الذي تجلى بكل وضوح في الرسالة الوداعية التي وجهها فخامته إلى نواب الأمة، حافلة بأخلص النصائح، وأنقى الأمنيات، وأوضح التوقعات.
يضاف إلى هذه الوقائع عمليات تشويهية لمعالم الدستور اللبناني ولمزايا الديمقراطية اللبنانية، تمثلت في السابق في أمور واختلاقات وتصرفات عديدة، وتتمثل في هذه الأيام باختلاق نصاب معدل للإنتخابات الرئاسية خاصة في ما تعلق بنصاب الدورة الإنتخابية الثانية الذي انقلب بقدرة قادر، وبوجهات نظر لنواب مكتب رئاسة المجلس، أجمع أفرادها في نوادر ما تم إجماع عليه رغم اختلاف الإنتماءات على رفع النصاب، إلى رقم جعل من الإنتخابات الرئاسية وضعا صعبا بل يكاد أن يكون مستحيلا أن لم تتوفر له شروط داخلية وخارجية تأخذ على عاتقها إتمام تحقيقه.
إنها ديمقراطية الغرائب والعجائب التي تسود وتطغى في أجواء ومواقع هذا البلد المنكوب، حيث ينقلب الدستور نصوصا قابلة للتعديل السهل في أية قضية حساسة تتناتشها الآراء والمواقف المتناقضة، وحيث تنقلب المفاهيم الديمقراطية إلى مجرد وجهات نظر، وآراء مشوشة ومواقف يتقاذفها الصعود والهبوط ومن ثم الرسو في أماكن مستغربة ومصالح تتناقض وتتصارع مطولا لتعود فترسو حيث يفرضها الفارضون الداخليون والخارجيون.
ومما تطرحه الأحداث وتطوراتها وتقذفه في وجوه الجميع بما يصدم مواقفهم وقناعاتهم، ما تصادفه العملية الإنتخابية من ترشيحات تتراوح في النوع والحجم بين مرشحين متطرفين وذوي ماض وتاريخ ملطخ بجملة من العيوب والمآخذ، ومرشحين يصفهم خصومهم بأنهم لا لون لهم ولا طعم ولا رائحة وبالتالي هم لا يصلحون بأي وجه من الوجوه في رأي هؤلاء الخصوم، للجلوس على السدة الرئاسية، خاصة في هذه الحقبة السوداء من تاريخ منطقة الشرق الأوسط، والأزمات الخطيرة التي تتناول معظم بلدانها وتهدد معظم كياناتها، ولعل الوضع اللبناني بالتعقيدات المحلية والإقليمية ومستجلبات الكارثة السورية المرشحة للإستمرار سنوات عديدة مقبلة بما في ذلك أعباء النزوح السوري الذي يكبر ويتكثف بوجوده ومعضلاته إلى حد لم يعد هناك من قدرة لبنانية على تحمله واحتواء تداعياته الأمنية والإقتصاديـة، وإلى درجة مستفحلة دفعت بالمسؤولين اللبنانيين على كافة مستوياتهم واتجاهاتهم، إلى إطلاق الصيحات الإستغاثية لملاقاة الوضع الإقتصادي اللبناني بشتى أنواع المعالجة، منعا من تدهور أحواله وهبوط أوضاعه إلى أقصى أنواع الإنحطاط شديد الخطورة في حجمه ونتائجه.
وتستمر في هذا الصعيد إجتهادات اللبنانيين وغير اللبنانيين حول مفهوم التطرف والمتطرفين من ذوي التاريخ الملطخ، وحمائم المرشحين المرتكزين إلى اكتناز في شخصياتهم الأمنية والإقتصادية والإجتماعية دون أن يكون لهم أي ماض ميليشياوي وهم ينطلقون جميعا من أن ماضي صقور المرشحين يضعهم جميعا في إطار حلقة واحدة سبق أن اشتركوا فيها في أعمال العنف والإحتراب الداخلي وممارسة شتى أنواع الإحترابات المؤذية، وتشكـلت من حولهم جملة من الإرتكابات والمآخذ التي ما زالت تلاحقهم حتى الآن، ولا ينكر الجميع أن معظم هؤلاء وخاصة منهم من أطلقت عليهم ألقاب أمراء الحرب وزعماء الميليشيات، قد انقلبوا فجأة وبقدرة قادر إلى نواب ورؤساء كتل نيابية ووزراء، وأصبحوا أهل الحل والربط وزعماء البلاد والممسكين بكل قدراتها وثرواتها ومنافعها، ولم يفلت من هذا النعيم المقيم في البلاد والمتحكم بالعباد إلاّ قائد القوات اللبنانية سمير جعجع، فأبى عليه البعض ترشيحه لرئاسة الجمهورية، مستنبشين في وجهه قبورا وأحداثا واتهامات لا نناقش في صحتها بقدر ما نؤكد أن أخصامه وأقرانه ارتكبوا في حياتهم الميليشياوية، موبقـات مثلها وأكثر هولا وشدة، فباتت حلالا عليهم كل المواقع والرئاسات والوزارات والنيابات، وبات ممنوعا على غيرهم أي من هذه المآكل الدسمة الممتلئة بالكوليستيرول السياسي والأمني، ولواحقها.
إضافة الى ذلك فهو قد أمضى تاريخه السياسي الجديد حليفا لصيقا بحزب الله وبارتباطاته الإيرانيـة والسورية، وأصبـح الوجه الذي يتخفى به كل أزلام السياسة السورية والإيرانيــة في لبنــان مشكلا لهم منذ العام 2005، غطاء ثمينا مسيحي الطابع، لم يكونوا ليحلموا به لو لم يتوفر لهم ذلك القائد الذي دفعته مصالحه وطموحاته إلى الإلتصاق بإطارات الممانعة وشكّل وجهها الأبرز والأفعل والمغطي للزعامة، والقيادة الحقيقية في تجمع الثامن من آذار المتمثلة بحزب الله.
لقد استغرب الجميع التحولات الدراماتيكية التي قام بها هذا الزعيم في الفترة الأخيرة، حيث غيّر جلده وأثوابه المختلفة وأطلق نفسه وبإرادته المنفردة مرشحا حياديا! متناسيا كل مواقفه وكل سياساته وكل تحالفاته، ووسيلته في ذلك، إقتصرت على حد أدنى من الكلام المعسول، وحد أدنى من لقاءات التقارب ونداءات التحابب وحد أدنى من الضحك على الذقون. وهو يعتقد أنه أفلح في كل ذلك في اكتساب الخصوم، إلاّ أن بيان قوى الرابع عشر من آذار أول أمس وضع الأمور في نصابها وصرح بأن تلك القوى لا تزال متشبثة بترشيح سمير جعجع، وعليه، إن تغيير الإتجاهات والتوجهات لا تكفيه جملة من المواقع والمواقف التي تفترض خطأ أن الأخصام هم من قصيري النظر والمتخلفين في ادراك سلامة المواقف وصدقها، الأمر الذي يخالف الواقع ويتجاوزه إلى حقيقة مختلفة ومعاكسة. وندرك جيدا أن خلف هذه الأوضاع العجيبة الغريبة كثيرا من الأمور الخافية والمشوبة بأكوام من التساؤلات. ولنا ثقة بالنتيجة، بأنه لن يصح إلاّ الصحيح.