IMLebanon

لهذا غُيّب الإمام الصدر..

خمس قضايا على أقل تقدير شغلن الإمام موسى الصدر، وبسببهن أُبعد واختُطِف وربما قُتل في أسوأ لحظات التخاذل العربي والعنف الطائفي الذي مارسه اللبنانيون ضد بعضهم البعض.

القضية الأولى: وجود «إسرائيل» كياناً ودوراً ومشروعاً. وبما يحمل ذلك من مخاطر على شعوب المنطقة وهويتها وحضارتها ووحدتها.

لم تكن إسرائيل بوصفها منتَجاً استعمارياً خطراً على فلسطين والفلسطينيين، أو على المقدّسات الإسلامية والمسيحية، أو على دول الجوار فحسب. بل كانت خطراً على الإنسانية جمعاء ما دفع الإمام لرفع شعار تاريخي بقوله: (إسرائيل شرّ مطلق) ومطالباً كل شرفاء وأحرار لبنان والمنطقة والعالم لاجتثاثها لأن (إزالتها أمر إلهي).

القضية الثانية: المقاومة بأبعادها المتعددة لا سيما العسكرية منها إذ كان الإمام يدرك إدراكاً عميقاً أن لا سبيل لحماية لبنان والدفاع عن النفس سوى المقاومة التي هي مسؤولية كل فرد لبناني. فطلب من الجميع تحمّل المسؤولية وحمل السلاح لا التسليم بأحلام الهيمنة الإسرائيلية فضلاً عن التواطؤ والتعامل مع عدو لبنان واللبنانيين الأول لفرض واقع سياسي أو طائفي داخلي. فالواجب الوطني يقتضي أن يخرج كل لبناني قادرٍ على إشهار السلاح في وجه العدو ليدافع عن وطنه بطريقة منظمة مدروسة، لأن العمل المقاوم لا يسمح بالارتجال بل يحتاج إلى عقول ومواهب ومعرفة وإيمان وبالطبع شجاعة المواجهة وسعة التضحيات.

القضية الثالثة: الحفاظ على كيانية لبنان أمام الأطماع الإسرائيلية من جهة، وحمايته من التحلل أمام تناقضات ونزاعات القوى المحلية من جانب آخر.

والحفاظ على كيان لبنان وحمايته لا باعتباره مكان إقامة لمجموعة من الطوائف الدينية فحسب بل باعتباره رسالة للتسامح والمحبة والأخوّة، ووطناً للتعايش والتنوع والحوار، ونموذجاً فريداً يعكس حقيقة الإيمان وجوهر الأديان في نشر الخير والتأكيد على المساواة بين بني البشر.

إنّ لبنان بصيغته التعايشية هو النقيض للنموذج الصهيوني العنصري وحماية وجوده ضرورة سماوية كما هو ضرورة بشرية.

القضية الرابعة: الوحدة الإسلامية ولهذا الغرض سافر الصدر إلى معظم العواصم الإسلامية داعياً ومبشّراً ونذيراً. مؤكداً على هذا الخيار الذي يشكل ضمانة تحمي الأمة من التآكل والتشتت والتطرف، ومن تحول المسلمين إلى جماعات متحاربة متقاتلة تكون ذريعة للعدو الإسرائيلي لتحقيق مشروعه بتهويد القدس والسيطرة على كامل فلسطين وتسويق «إسرائيل» بوصفها واحة للديموقراطية في محيط همجي مضطرب يعيش أهله على الثأر والعنف وقطع الرؤوس افتخاراً كما يحصل اليوم تماماً.

القضية الخامسة: الدفاع عن المحرومين فقد كان همّه وشغله تحقيق العدالة والمساواة بين مختلف اللبنانيين ورفع مستوى المعيشة للذين قذفت بهم الحياة خارج نطاقها. ولعل ما نشهده اليوم من تدهور في قطاعات عمالية وتعليمية أساسية يؤكد صوابية الفكرة التي كان الصدر يدعو لها ومضمونها أن لا دولة من دون مواطنة، ولا استقرار اجتماعي من دون حقوق وعدالة، ولا تقدم من دون نزاهة وكفاءة.

هذه القضايا التي عمل عليها الصدر لحفظ الأوطان والأعراض والدماء وبناء القوة ورفع الحرمان لم تتغير.

مالم تسقط «إسرائيل» لن ترتاح المنطقة والإنسانية.

ما لم نكن مقاومين سنكون أذلّاء مسحوقين.

ما لم نحقق الوحدة الإسلامية ستأكلنا الفتن.

ما لم نحافظ على لبنان سيُقضى على سُنة التعايش.

ما لم نعطِ الحقوق للمحرومين ستبقى الاضطرابات الاجتماعية.

كان الإمام الصدر في كل حركته ضنيناً أن يعرف اللبنانيون طريق عزتهم وسعادتهم، وحريصاً أن تعرف الأمة أن ما سُلب بقوة الإرهاب لن يعود إلا بقوة المقاومة!