ينظر حزب الله بعينٍ إلى سقوط مقاتليه قتلى بالعشرات في جرود القلمون وتضاعف أعدادهم بشكل فاق كلّ ما سقط منهم في معاركه السابقة في القصير وسواها، وهذا التدهور الدموي الدراماتيكي يزيد من الضغوط عليه داخلياً، ويده على قلبه من تكليف الخامنئي له بالذهاب إلى جبهة في العراق، أمّا العين الثانية فينظر بها إلى مُجريات المفاوضات بين إيران ودول الـ 5+1، والتي دخلت مرحلة تفاوضٍ مباشر مع «الشيطان الأكبر» أميركا عبر وزير خارجيتها جون كيري ووزير خارجيّة دولة «محور الشرّ» محمد جواد ظريف!!
في 6 حزيران الماضي أطلّ أمين عام حزب الله حسن نصر الله وخاطب الفريق السياسي اللبناني المناوئ لسياسات حزب الله التي ورّطت لبنان ولمراهناته الخاسرة فقال:»لا تنتظروا العلاقات الإيرانية- السعودية، ولا المفاوضات بين هذين البلدين»، حزب الله اليوم في نفس الموقف، وعليه «أن لا ينتظر المفاوضات الأميركية ـ الإيرانيّة»، فقد تلقّى الحزب ضربة مالية موجعة قبل أيام عندما وجهت الخزينة الأميركية ضربة تحت الحزام لإحدى شركاته التي يُخبّئ تمويل نشاطاته تكنولوجياً ومالياً عبرها، والخزينة الأميركية ماضية في تجفيف منابع تمويله، وماضية في تشديد العقوبات على إيران، فأميركا لطالما اعتمدت في سياستها على نظرية «العصا والجزرة»، والعصا الخاصة بإيران غليظة جداً يتناسب حجمها مع حجم من ما زرعته من الشر في دول المنطقة العربية سعياً لتغيير هويتها وفرزها مذهبياً لإعلان «الإمبراطورية الفارسيّة» من بوابة «نشر التشيّع»، وهذه كانت سياسة الفرس منذ سقوط إمبراطوريتهم عبر التاريخ الإسلامي «فورات» تليها»نكبات»، ومع هذا لم يتعلّموا ولم ييأسوا من المحاولة!!
أما لماذا ندعو إلى عدم المراهنة والاتكال على المفاوضات الأميركية ـ الإيرانيّة، فلأسباب متعددة بينها وأوّلها طبيعة النظام الإيراني نفسه، فبمجرد وصول الخميني إلى طهران وبعد قضائه على كلّ من يُشكّل خطراً على سلطته، وجّه وجهه شطر العالم العربي حتى قبل اندلاع الحرب العراقيّة ـ الإيرانيّة، وما علينا إلا الالتفات إلى استهدافه أمن المملكة العربيّة السعوديّة عبر ما أسماه «البراءة من المشركين»، وإلى لبنان عبر تأسيسه حزب الله الذي جهد للقضاء على أي سلطة شيعية تناوئ إيران في لبنان، فقضى أولاً على الشيعة الشيوعيين، ثمّ تفرّغ لحركة أمل، وتاريخ المذبحة «الشيعيّة ـ الشيعيّة» يعود إلى أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي، وضمن بوابته إلى لبنان عبر نظام الأسد في سوريا، ثمّ إلى العراق في حربٍ طاحنة وحقدٍ تاريخي يغلي في الصدر الفارسي منذ معركة القادسية التي كان العراق أرض معركتها، وهلمّ جرّاً…
طبيعة النظام الإيراني تُشبه كثيراً النظام السوري، بل هي أشد سوءاً وضراوة، هذا النظام لا يستمر على عرشه إلا بحكم النار والحديد والطغيان، وهو محتاج دائماً إلى قضية وهميّة يدّعي أنه يُناضل في سبيلها، من هنا كان إعلان الخميني «يوم القدس» وادّعاؤه السعي لتحرير المسجد الأقصى، وهذه العناوين تطورت إلى تحرير جنوب لبنان إلى تحرير العراق وتحرير اليمن وتحرير السعودية والبحرين والكويت وكلّ دول المنطقة التي شكلت في مرحلة من التاريخ أراضي استعمرها الفرس، ولأن الإيرانيين لم يعتبروا من تجربة الشاه محمد رضا بهلوي الذي لم «يتهنّى» بتسمية نفسه «شاهنشاه» فتمزّق ملكه ومات طريداً شريداً، أعادوا الكرّة بـ «شاهنشاه» أشدّ خطورة لأنه تحت عنوان ديني «الوليّ الفقيه»، لذا إن انكفأت إيران إلى الداخل الإيراني ستنتهي كما انتهى نظام بشار الأسد بعد انسحابه من لبنان!!
ومن الأسباب أيضاً، «ثروة إيران» التي بددتها على مدى خمسة وثلاثين عاماً، على حزب الله وعلى التيارات الشيعية في العراق والكويت والبحرين وعلى الحوثيين، وعلى النظام السوري وعلى حماس، وعلى كل فصيل «خائن» لوطنه مرتبط بالأجندة الإيرانية، هذا من جهة، ومن جهة ثانية ما أنفقته من أموال طائلة على صناعة السلاح، وعلى مشروعها النووي الذي تفاوض اليوم على «تدميره» بنفسها، وهو العنوان الذي عاش النظام الإيراني في ظلّه كقضيّة جديدة تسمح له بالاستمرار.
إيران لن تتراجع، لأن من الأسباب أيضاً، أن النظام الإيراني نظام «انتحاري»، أليس هو من سوّق في المنطقة الإرهاب والسيارات المفخخة والعمليات الإنتحارية، والتي أطلقت عليها تسمية مزيّفة «استشهاديّة»، النظام الإيراني تماماً كالنظام النازي وأدولف هتلر في ألمانيا وتدميره لقارة أوروبا، ولنفسه لاحقاً خلال الحرب العالميّة الثانية، الذي انتهى بانتحار هتلر، قد لا ينتحر رأس النظام الإيراني، ولكنه يمتلك مقومات التدمير الذاتي، في وقت انهار فيه مشروع «الهلال الشيعي» في المنطقة الذاهبة إلى التقسيم وإيران واحدة من الدول البارزة على خارطة التقسيم، وهي التالية بعد العراق، لذا لا يراهن أحد على المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية، فالشيطان الأكبر ومحور الشر بضاعة خاسرة!!