منذ بدء أحداث عرسال انهالت بيانات تأييد ودعم الجيش اللبناني من كلّ حدبٍ وصوب، بالإضافة إلى تحرّكات في المناطق اللبنانية كافة تتضامن مع الجيش وتُثمّن تضحياته، ما خلقَ خلفية صلبة وراء جيش يقاتل غرباءَ ومجرمين تنكّروا لكلّ القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية.
ولكن هل يكفي هذا الدعم الكلامي، على أهمّيته، أمام تضحيات جيشٍ يُقدّم الشهيد تلوَ الشهيد؟ أم المطلوب، إلى جانب التضامن والكلام المعسول، كثير من التخطيط والإرادات الحسَنة، والعمل الدؤوب لبناء دولة تستحقّها تضحيات الشهداء والجرحى والمعاقين، ودموعُ الأمّهات وسواعد الفلّاحين والعمّال، وأفكارُ المهندسين والمحامين والكتّاب والإعلاميين وسهرُ الأطبّاء وكلّ مَن يؤمن بلبنان دولةً مستقلة متضامنة ذات سيادة حقيقية، نفتخر بها، ونعيش في حضنها.
من هنا وفورَ الانتهاء الفعلي لمعارك عرسال وجرودها، على اللبنانيين أن يفكّروا بهدوء وبرَويّة في أسبابها ومَن المستفيد منها، ولماذا اندلعَت، وهل كان يمكن تجنّبُها لكي لا نقع في محظورها مجدّداً، خصوصاً أنّها ليست المرّة الأولى التي يعاني منها لبنان من خرقٍ أمنيّ خطير وكبير؟ خرقٍ سبقَ أن حذّر منه الجيش وبعض القوى السياسية ولم يلقَ أذاناً صاغية.
التفكير بهدوء عليه أن يقودنا حتماً إلى مجموعة من الإجراءات التي علينا الاتّفاق عليها وتنفيذها، وهي تشكّل الحدّ الأدنى من الشروط لكي ننقذَ لبنان من الجحيم الذي يضرب الدوَل المحيطة بنا:
– إنّ الأمن العسكري الذي يؤمّنه الجيش والقوى الأمنية الأخرى، يحتاج إلى أمانٍ سياسي، على القوى السياسية العمل على تحصينه بالاقتناع بأنّ الأزمة في سوريا لن تنتهي قريباً، وبأنّ تداعياتها على لبنان وعلى المنطقة كبيرة، ولن تتركَ بقعةً في لبنان أو طائفة بعيداً عن تأثيرها في حال لم نُحصّن ساحتنا الداخلية، ما يقتضي عدم اللعب في النار السورية وخصوصاً عدم انتظار انتهائها لتحديد مستقبل لبنان.
– الاتّفاق على قانون انتخابي عادل يخلق طبقةً سياسية جديدة غير مرتهَنة للخارج، وفي هذا لا يفيد تبديلٌ بالأسماء، إنّما تجديد الأداء اليومي لهؤلاء النوّاب وتغييره، والانتماء إلى لبنان، كلّ لبنان، أوّلاً وأخيراً.
– إنتخاب رئيس جمهورية يدرك المؤامرة على لبنان ولديه الإمكانات والنيّة لتعطيلها.
– العمل على إعادة إحياء الحياة السياسية والإدارية والتشريعية المعطّلة منذ أعوام، على أن يكون على رأس الأولويات تعزيز عمل المؤسسات، وعلى رأسها الجيش اللبناني عدّةً وعديداً وتدريباً.
– إجتثاث كلّ ما هو مُنافٍ لتقاليدنا اللبنانية من مجتمعنا، خصوصاً الأفكار التي تحارب العيش المشترك وتدعو إلى التقوقع والخوف من الآخر، وذلك عبر تحديث المناهج التربوية ومراقبة أداء بعض المدارس والجامعات.
إنّ التضحيات الكبيرة للجيش اللبناني تتطلّب إجراءات سياسية ووطنية جذرية لكي يسلم الجيش ويحفظ لبنان.