أكد البيان الختامي لمؤتمر روما لـ«دعم وتسليح الجيش اللبناني» الذي انعقد طوال نهار أمس، «استعداد المشاركين لدعم القوات المسلحة اللبنانية خلال عملية بناء وتعزيز القدرات من خلال أدوات التنسيق القائمة للمساعدة الدولية، وهي: الآلية المشتركة للتعاون، والحوار الاستراتيجي بين القوات المسلحة اللبنانية ويونيفيل واللجنة العسكرية التنفيذية والآليات الثنائية الأخرى القائمة».
وحضر المؤتمر الذي تنظّمه إيطاليا في إطار مجموعة الدعم الدولية للبنان، التي تألفت في نيويورك في أيلول (سبتمبر) الماضي، الوفد اللبناني برئاسة نائب رئيس الحكومة وزير الدفاع سمير مقبل ممثلاً رئيس الحكومة تمام سلام وعضوية وزير الخارجية جبران باسيل، ووزيرا الخارجية والدفاع الإيطاليان فيديريكا موغيريني وروبيرتا بينوتي، ومساعد الأمين العام للأمم المتحدة السفير جيفري فيلتمان، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان ديريك بلامبلي، وممثل الاتحاد الأوروبي هيوغ مينغاريلي، ووزراء دفاع وخارجية من نحو 43 دولة مشاركة وعسكريون.
وأخذ المجتمعون في «الاعتبار الضغوط الاستثنائية على القوات المسلحة». ونوهوا بـ «استجابتها الفعّالة للتحديات الأمنية المتزايدة وجهودها لضبط الحدود مع سورية وعملها مع قوات يونيفيل للحفاظ على الهدوء في محيط الخط الأزرق». وأشاروا إلى أن «القوات المسلحة لا تزال عنصراً أساسياً، وسلطوا الضوء على التعاون بين الأجهزة الأمنية المختلفة الذي يعد عاملاً أساسياً في النجاحات الأمنية الأخيرة، بما في ذلك التصدي للإرهاب».
وأكدوا «أهمية الجهود التي يبذلها لبنان، بدعم من المجتمع الدولي، لتعزيز فعالية القوات المسلحة لضمان تحسين قدرتها على القيام بالواجبات المناطة بها، بما في ذلك الواجبات المتعلقة بتطبيق القرار 1701 ولمواجهة التحديات الأمنية المتزايدة الناجمة عن النزاع في سورية».
ولفت المجتمعون إلى أن «الولايات المتحدة تنوي تقديم مساعدات إضافية، بما في ذلك في مجالات مكافحة الإرهاب والأمن الحدودي ومجالات أخرى ذات صلة». وعبّروا عن «تقديرهم للعرض الكريم للمساعدة الذي قدمته المملكة العربية السعودية، والذي يتم التحضير لتنفيذه الآن من قبل حكومات السعودية وفرنسا ولبنان». ورحب المجتمعون أيضاً بـ «الإعلان عن مساعدات إضافية للقوات المسلحة اللبنانية في إطار هذا الاجتماع الوزاري».
كما رحبوا بـ «استعداد كل من البرازيل وقبرص ومصر وفنلندا وفرنسا وغانا واليونان وإيطاليا وهولندا ورومانيا وإسبانيا وتركيا لتقديم المزيد من الدعم في التدريب المختص في مجالات عدة وتعزيز التعاون مع القوات المسلحة في قطاعات الأمن ذات الصلة». وأكدوا أن «الاتحاد الأوروبي سيكثف دعمه للقوات المسلحة اللبنانية في مهمات التعاون المدني- العسكري وفي عمل القوات المسلحة في مجالات تتعلق ببناء قدرات المؤسسات والإدارة المتكاملة للحدود والتعامل مع تهديد الأسلحة البيولوجية والكيميائية والراديولوجية والنووية وإزالة الألغام».
وأقروا بـ «المساعدة المهمة التي تقدمها المملكة المتحدة بالفعل لدعم أفواج الحدود ورحبوا بنيتها الاستمرار في المساعدة واستعدادها لإقامة شراكة مع دول أخرى في هذا المجال». وأكدوا «الأهمية المستمرة للتطبيق الفعّال للقرار 1701 وقرارات أخرى تتعلق باستقرار لبنان وبالسلام والأمن الإقليميين وبالحاجات الخاصة للقوات المسلحة اللبنانية في جنوب لبنان»، مشددين على «قيمة آلية الحوار الاستراتيجي الذي تم الاتفاق عليه بين القوات المسلحة اللبنانية ويونيفيل». ورحبوا بـ «عرض الحكومة الإيطالية تأسيس مركز للتدريب في لبنان، جنوب نهر الليطاني، بالتعاون مع القوات المسلحة اللبنانية ويونيفيل وتماشياً مع خطة الحوار الإستراتيجي».
وشددوا على «أهمية أن يكون تعزيز الدعم للقوات المسلحة اللبنانية متوازياً مع حراك من قبل القيادات السياسية اللبنانية لضمان استمرارية مؤسسات الدولة، وذلك من أجل استمرار الاستقرار في لبنان». وعبّروا عن «أسفهم العميق لعدم انتخاب رئيس للجمهورية ضمن المهلة التي حددها الدستور». وأكدوا دعمهم «الكامل للحكومة اللبنانية في تأدية واجباتها خلال هذه الفترة الانتقالية وفقاً لأحكام الدستور إلى حين انتخاب رئيس جديد».
وجدد المجتمعون تأكيد دعمهم «القوي لسيادة لبنان وسلامة أراضيه ووحدته واستقلاله». وأكدوا أهمية الاستمرار في احترام سياسة النأي بالنفس. وأشاروا إلى نداءات مجلس الأمن في بياناته الرئاسية في ما يتعلق بالالتزام بإعلان بعبدا.
مركز التدريب الايطالي
وكانت موغيريني افتتحت المؤتمر مرحبة بالمشاركين، وأعربت عن شكرها «لممثلي الحكومة اللبنانية وللجيش اللبناني والأمم المتحدة لمساهمتهم في عقد هذا المؤتمر». وقالت: «هذا المؤتمر يهدف إلى دعم لبنان لمساعدته أمام التحديات التي تواجه أمنه واستقراره. ويا للأسف، باتت هذه التحديات أكثر تنامياً وتعقيداً، والأحداث في العراق وسورية تذكرنا بأهمية وجودنا في هذا المؤتمر والواجبات الضخمة للبلدان المتاخمة التي تستضيف ملايين النازحين، وغالبيتهم من النساء والأطفال». وأضافت: «لبنان يهمنا جميعاً، واستقراره ضروري للمنطقة. ثمة حاجة ملحة لمساعدته في تدفق النازحين ودعم القوات المسلحة، فالجيش ركيزة أساسية لاستقرار لبنان، ويجسد وحدة لبنان بكل فئاته، والوئام بين كل الأديان».
ورأت بينوتي أن «المؤتمر يعكس إدراكنا أن لبنان يضطلع بدور أساسي في السلام والاستقرار الدوليين»، مشيرة إلى أن «منطقة الشرق الأوسط تعاني صراعات وأزمات تغذيها عناصر لا تنتمي إلى المنطقة المذكورة، ولدينا أولويات ونعرف أجندات حكوماتنا، وواجبنا يتطلب أن نضع أهدافاً أسمى وبعيدة المدى، على رغم الأخطار. ونطلق عملية ترمي إلى تخطي التمزقات التي يعانيها الشرق الأوسط».
وعددت الأزمات، ومنها «الأزمة السورية التي يعاني منها الشعب اللبناني في شكل مباشر، إذ تعدى فيه عدد النازحين المليون، وهذا رقم ضخم إذا ما أخذنا في الاعتبار المساحة الجغرافية للبنان وعدد سكانه. يجب أن نعيد إلى لبنان الدعم الذي يقدمه لنا جميعاً ولقضية السلام، من طريق إعطاء دعم فاعل للجيش اللبناني».
وقالت: «ننوي أن نفتح مركزاً للتدريب في لبنان بالتعاون مع السلطات اللبنانية، وهذا المشروع ينص على إنشاء مركز في جنوب لبنان على بعد عشرة الكيلومترات من مركز قوات يونيفيل».
مقبل وباسيل
وشكر مقبل باسم الحكومة اللبنانية ورئيسها، «التزامكم ودعمكم المستمرين، فضلاً عن مساعدتكم للجيش اللبناني»، لافتاً إلى أن «الجيش اللبناني يواجه تحديات أمنية داخلية وخارجية متزايدة لحماية استقرار لبنان والحفاظ عليه، وهو في حاجة ماسة إلى التسلح والتدريب».
وزاد: «أن لبنان هو لاعب مهم على مستوى الاستقرار المحلي والدولي، واستقراره يمكن أن يكون مهدداً، سواء من الجيران الإقليميين، أم من اللاعبين الداخليين الذين تحركهم منظمات إرهابية». وتابع: «لبنان على علاقة قوية ولكن معقدة مع سورية، وطبيعة هذه العلاقة هي موضوع اختلاف داخلي في الآراء قادر على إضعاف الوحدة الوطنية، وبناء عليه فإن لبنان في حاجة ماسة إلى تعزيز استقلاله تدريجاً وتكوين جهازه الاستخباراتي الخاص».
وشرح مقبل المهمات التي على الجيش أن يضطلع بها وهي «العمل الاستخباراتي، الدفاع عن الحدود البرية والبحرية والجوية وحماية المواطنين، التدخل في شكل فعلي داخل لبنان لمنع أي اعتداء على مصالحه، اتخاذ إجراءات هجومية ناجحة داخل لبنان، وباستقلالية، ردع معتدين داخليين أو خارجيين محتملين».
وقال باسيل «ندرك أهمية المعونة التي تعطى للبنان في هذا الوقت ونعي المسؤوليات المترتبة علينا لاستحقاق هذا الدعم من خلال تأمين الاستقرار السياسي الداخلي عبر تأمين الوفاق السياسي لإنتاج السلطة اللبنانية بشكل سليم وديموقراطي وانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون قوياً وميثاقياً تأميناً لقوة لبنان وحفاظاً على الميثاق وروح الدستور فيه، وعبر إقرار قانون انتخابي جديد ينتج برلماناً جديداً، قوياً بحسن تمثيله للبنانيين مناصفة بين المسلمين والمسيحيين». وزاد: «يتقاطع هذا الكلام مع تفكير بعضهم بأن إعطاء السلاح إلى الجيش ليس مهماً، والبرهان ما حصل في العراق من كثرة تسليح للجيش من دون نتيجة إثر انهيار جزء منه أمام «داعش» أخيراً. إنما جوابنا على هذا هو أن الجيش العراقي تم فرطه سابقاً، وهو يعتبر جيشاً فتياً، في الوقت الذي أظهر الجيش اللبناني في معركة البارد بسالة لا مثيل لها في ظل توافر قرار سياسي وتوافق داخلي على دعمه في مواجهة الإرهابيين، إلا أن سوء تجهيزه كلف 172 شهيداً وما يزيد عن الشهر من القتال». وأكد أن «أي قرار سياسي هو الأساس، إنما يلزمه الذراع القوية للتنفيذ، وأي دعم سياسي كلامي يبقى ناقصاً إن لم يقترن بترجمة فعلية تنفيذية كالتي قامت بها المملكة العربية السعودية من خلال هبة الثلاثة بلايين دولار غير المسبوقة، وبلدان أخرى عديدة».
ولفت باسيل إلى أن «بعضهم اعتبر أن الصراع في سورية يمكن حصره داخل حدودها بين نظام مرفوض من كثير من الدول ومطلوب إضعافه، ومجموعات إرهابية مرغوب التخلص منها، وهذا ما كان أحد الدوافع للتشجيع على الاستقرار في لبنان وعدم نقل أزمة سورية إليه، والإشادة بسياسة حكومته تحييد لبنان عن أزمة سورية، إلا أن أحداث العراق الأخيرة أثبتت أنه لا يمكن حصر صراع، ولا بد من أنه سينطلق إلى الدول المجاورة طالما أن له ظهراً وظهيراً في سورية».
وأشار إلى أن «تركيا والأردن سيجدان نفسيهما في خطر التدحرج بعد العراق، والدحرجة ستطاول بعد ذلك الدول المجاورة، خليجية كانت من جهة الأردن، أو أوروبية من جهة تركيا، أو متوسطية من جهة لبنان، ومن هنا أهمية دعم جيش لبنان لوقف التدحرج من جانبه»، موضحاً أن «الدحرجة كانت بدأت أساساً باتجاه لبنان، وما ساهم في وقف زحفها حصول تدخل لفريق لبناني داخلي وأبعد بذلك الخطر الخارجي الإرهابي عن لبنان، إلا أنه عمق الانقسام فيه نتيجة تطييف الموضوع».
وقال: «هذا الربح الكبير قابلته خسارة كبيرة ما كانت لتقع لو أن من قام بالمواجهة هو جيش لبنان، ولذلك فإن الجيش لم يقم بالمواجهة اللازمة في حينه بسبب غياب القرار السياسي، الذي هو مسؤوليتنا، وبسبب غياب دعمكم المادي له، وهو مسؤوليتكم. وهذا سبب إضافي لدعم جيشنا».
ولفت إلى أن «هذا الدعم لا يجب أن يكون بهدف خلق توازن عسكري داخل لبنان أو خلق تصارع عسكري فيه، أو تشجيع للصراع أقله، إذ يخطئ من يعتقد أنه سيؤدي إلى ذلك».