يضع مؤتمر روما اللبنانيّين أمام امتحان. الرغبة في توفير الدعم متوافرة، والآليات باتت واضحة، وتقع عليهم مسؤوليّة توفير البيئة المؤاتية، والمناخ السياسي الملائم لترجمة الوعود الى أفعال.
ثمّة أسئلة في رسم المعنيّين يتعلّق أوّلها بالفراغ الرئاسي، وثانيها بـ»إعلان بعبدا»، وثالثها باستمرار التورّط في النزاع السوري، ورابعها بسياسة التضخم وأعباء السلسلة والخلفيات التي تتحكّم بها، وخامسها بالنزوح وغياب التصوّر المشترك للمعالجة، وسادسها بالدويلات المذهبيّة المدججة التي تقوم على تخوم الدولة، وسابعها بالواقع المستجد على طول الحدود المشتركة مع سوريا أو ما بات يعرف بالبيئة الحاضنة للعصابات والعصبيّات.
تكثر الأسئلة، تتعدَّد، وتتنوَّع، فيما المطلوب وحدة وطنيّة فعليّة حول المؤسّسة العسكريّة. إنه زمن امتحان القدرة على صوغ عقد وطني يعيد الإعتبار الى الدولة ومؤسّساتها كبديل عن الولاءات المشرذمة، والدويلات المتنامية. بهذا المعنى يبقى الجيش النسيج الوحيد الذي يحفظ ويحافظ على علم الوطن ومعالم المؤسسات المتهالكة. الأربعون الذين اجتمعوا في روما يعرفون كلّ شيء عن الواقع في لبنان، ملمّون بكل فاصلة وكلّ تفصيل: الفساد، المذهبيّة، المحاصصات، الفعاليات التي تدين بالولاء للخارج، وطريقة تعاطيها مع الدولة كبقرة حلوب، وقد حشدت الأزلام في الدوائر الرسميّة لكي تتغذى من ضرعها من دون أي إنتاج، او مردود.
تعرف هذا دول مؤتمر روما، وتعرف أكثر. سفاراتها ناشطة في بيروت، ولا يفوتها شيء، كلّ أسرارنا وأخبارنا منشورة على الحبال فوق سطوح الآخرين، والمشكلة التي برزت في كواليس المؤتمر، أي مهمات ستُناط بالجيش ليصار الى ترشيد الدعم؟ وإذا كان الاستقرار في لبنان خطّاً أحمر دوليّاً، فإنّ حمايته تستوجب ملء الفراغ، بدءاً بالفراغ الذي يستوطن قصر بعبدا، فليس من جسم بلا رأس، ولا من دولة بلا رئيس، وإلّا فهي دولة مسخ. الفراغ الذي يعشش في المؤسسات، بعدما تحوّلت المعالجات احتكارات تنطلق من خلفيات مصلحيّة فئويّة. لم يعد شعار «إمّا أنا أو لا أحد» حكراً على بعض الطامحين لبلوغ القصر الجمهوري، بل بدأ يسري على من هم في مراتب المسؤولية، حيث المصالح الخاصة تتقدم على المصلحة العامة، فيما أضحت الأخيرة مجرّد شعار، وتحوّلت مظلّة ترتكب تحتها الكبائر.
تريد الدول الداعمة أن يشغل الجيش الفراغات على طول الحدود اللبنانيّة – السوريّة. ضبط المعابر مهمّة معقدة، وهو يقدم عليها باندفاع، فيما بعض أهله يتمرّد على الدولة والثوابت والمرتكزات، ويذهب للقتال في سوريا لدعم النظام، فيما يذهب البعض الآخر لدعم المعارضة حتى بالحليب، والشاش. لا يمكن تكليف الجيش في التصدّي «للداعشيّة» الزاحفة، فيما بعضها موجود في الداخل، إن عبر الخلايا النائمة، او في بعض المخيمات، او في البيئات المغلقة، او في بعض الخطاب المتداول. لا يمكن تكليف الجيش بضبط النزوح فيما البعض في الداخل يحاول الاستثمار في هذا الواقع الجديد المتفاقم، أمّا البعض الآخر فيسعى الى المزايدة والإبتزاز، وتبقى الحلول الوطنية، والمقترحات العلميّة العمليّة مجرّد عناوين في زمن الخيبات والمزايدات.
قال مؤتمر روما كلمته، وأبقى الباب مفتوحاً على الحوار حول كل جديد، لن يكون ملكيّاً أكثر من الملوك المحليّين، ولا لبنانيّاً أكثر من اللبنانيين. الرغبة في الدعم متوافرة، واليد ممدودة لتقديم كلّ مساعدة، لكن المساعدات تأتي وفق أولويات ترسمها الخطط والدراسات، وليس العشوائيات. مشكلة لبنان أنّ العشوائيات تطيح المخططات وتستبيح كلّ شيء، ودعم الجيش المتنوّع من كل المناطق والطوائف، الهدف منه حماية هذه النواة الجامعة للبناء عليها عندما تزف ساعة القرار لإعادة بناء دولة، وإحياء الوطن من الرميم.