IMLebanon

مؤشرات واعدة في الأفق

فرضت الإدارة الأميركيّة ترتيباً للوضع في عرسال لم تكتمل مواصفاته بعد نظراً الى التداخلات العربيّة والإقليميّة والدوليّة المعقّدة المرتبطة بهذا الملف، وبغيره من الملفات الأخرى الساخنة.

ما يمكن البناء عليه هو أنّ حسابات الربح والخسارة مؤجّلة الى حين ترسو فيه الأمور على إستقرار دائم، وما تحقَّق حتى الآن مجرّد إلتقاط أنفاس، والبحث سريعاً عن المخارج للمآزق التي لا تزال في أرض المعركة.

وتؤشر الحركة الديبلوماسيّة الناشطة الى التهدئة، وإطلاق مسار الحوار وراء الكواليس بعيداً من الإثارة، والتجييش الفئوي والمذهبي بهدف إقفال كثير من الأبواب والنوافذ التي لا تزال مشرّعة على كلّ الإحتمالات، ومهيّأة لإستقبال كلّ ريح.

وأقل ما يقال إنّ هناك توجّهاً واضحاً عند سفراء المجموعة الدوليّة لدعم لبنان لحضّ اللبنانيين ومساعدتهم على ترتيب البيت الداخلي، و«ضبضبته» بالمقدار الممكن والمستطاع، والبحث جديّاً في إنتخاب رئيس للجمهورية من فاعليات «8 و14 آذار»، والإنصراف الى الإنتخابات النيابيّة، وتأليف حكومة جديدة، والإنكباب على معالجة الملفات الإجتماعيّة والمعيشيّة والإقتصاديّة تحسّباً للمستقبل الآتي، وما قد يحمل من مفاجآت، خصوصاً أنّ الغيمة الدكناء لا تزال تُظلّل سماء الشرق الأوسط.

وتتزامن هذه التهدئة مع مؤشرات إقليميّة – دوليّة لا يمكن التقليل من خلفياتها وأبعادها، أبرزها قرار الرئيس الأميركي باراك أوباما «التدخل جوّياً» في العراق لوضع تنظيم «داعش» ضمن حدود جغرافيّة وأمنيّة وسياسيّة وإقتصاديّة واضحة، ووضع حدٍّ لطموحاته الإنفلاشيّة بعدما بدأت تدقّ أبواب أربيل.

يحصل ذلك بالتنسيق والتفاهم مع طهران حيث دخلت المفاوضات حول البرنامج النووي، وربما حول غيره من الملفات الأخرى مرحلة حساسة، ويؤشّر طلب الرئيس الأميركي من مساعديه الكبار في وزارة الخارجيّة، ومجلس الأمن القومي الإلتحاق بالوفد المفاوض في جنيف، الى أنّ المفاوضات بلغت المنعطفات الحساسة، وأنّ التسوية لن تقتصر على بنود مدوّنة على ورق، بل على نهج حواري تعاوني توافقي على التصدّي لكثير من الملفات العالقة في العراق، وفي سوريا ولبنان، ودول أخرى.

وما يجري في غزّة ليس بقليل، وهناك رهان على نجاح الوساطة المصريّة – الدوليّة في تثبيت وقف إطلاق النار، لكن إن لم تنجح، فإنّ معادلة جديدة قد فرضت نفسها على الطرف القوي قبل الضعيف، وهي معادلة توازن الرعب التي قد تفرض معادلة توازن المصالح في التهدئة، وفي البحث عن إطار عام شامل يضع حدّاً للإستفزازات، ويُرسي قواعد جديدة لوضع أمني إقتصاديّ مختلف عن سابقه.

وتؤكّد هذه المؤشرات وغيرها، أنّ الدول الإقليميّة النافذة والمقتدرة خصوصاً في الخليج قد ذهبت الى الأقصى في دعم الثورات والإنتفاضات، وتمويل صفقات الأسلحة، وتغطية فواتير الإغاثة، من دون أن تكسب موقعاً تفرض من خلاله نفوذها، لقد تعبت كثيراً في زمن الربيع العربي، ودفعت الأموال الطائلة، وتعرّضت للحملات الإعلاميّة المؤذية، ولم تتمكن من تحقيق أيّ مكسب، لأنّ الأميركي، والأوروبي، او الروسي والصيني يشكلون نادياً مغلقاً لا يمكن إختراقه والإنضمام الى عضويته بسهولة، وبالتالي هو الذي «يُحرّك السيرك، ويجني الأرباح؟!».

ومع هذا التعب الواضح بمؤشراته عاد الحنين الى الحوار، الحوار لترتيب البيت الخليجي أوّلاً، والحوار لترتيب العلاقات الخليجيّة – الإيرانيّة، والحوار لمنع تفاقم الحروب المذهبيّة ما بين السنّة والشيعة، والأكثريات ضدّ الأقليات، لأنّ الجميع يُدرك أنّ التمادي في ركوب هذه الموجة سيؤذي الجميع، ولن يخرج منه منتصراً بل سيكون الجميع خاسراً.

وسط هذا المناخ تتكثّف عمليات بلسمة الجروح في عرسال، ويبقى الأهم إغلاق المعابر الوعرة، وترسيم الحدود الآمنة في كنف السيادة. إنها عمليّة معقّدة، والتعاطف الدولي مع عرسال لم يبلغ هذه المرحلة. مسألة ضبط الحدود تبدو شبه مستحيلة في زمن إستباحة الحدود، كما يفعل «داعش» ما بين سوريا والعراق!