IMLebanon

«مائدة اللئام».. من بغداد إلى بيروت

يطل الثلث الأخير من حزيران ومعه طيف جورج حاوي. القائد الأول الذي استشهد في مواجهة عصر الديكتاتوريات، المبشر الواثق، بحركة وطنية عربية شعبية ديموقراطية دفع حياته ثمناً للتبشير بها في مواجهة النظام الرسمي العربي. فكرة، بدأ العالم العربي يعي حاجته اليوم إليها وهو يعيش مرحلة انتقالية خطيرة بقدر ما تحمله من آمال وحقائق.

من روحية الشهداء، وأولهم جورج حاوي، ومن أحلامهم، ننظر اليوم إلى ما يجري في العالم العربي ولبنان. نقول لهم اليوم، إن حالة الاستنقاع والركون والاستسلام في العالم العربي قد انتهت.

الحراك الشعبي عم المنطقة، ولأنه واقع وحقيقة، حاول الجميع مصادرته وضربه، فالأنظمة تصدعت والمشروع الامبريالي حاول ويحاول مصادرة التغيير حتى في بداياته، بعدما تخلى بلاأخلاقيته المعهودة (المسماة براغماتية) عن بعض الأنظمة التي اعتاشت على خدمته والخضوع لشروطه.

وعلى هامش هذا المشروع، تعتاش قوى دينية متصادمة في ما بينها في خدمة المشروع الأميركي الأساس، بإبدال الصراع العربي – الإسرائيلي، بصراعات مذهبية وعشائرية وإثنية، تحقق في آن واحد هدفين: أولهما القضاء على جوهر الحراك العربي وحلم التغيير، وثانيهما حماية الكيان الصهيوني عبر تعميم حالة الصراعات ما دون القومية وما دون الوطنية.

نعم الأساس في هذا المشروع، هو انتهاء صلاحية سايكس – بيكو الأول. التقسيم الذي أدى دوره في السيطرة على ثروات العرب وفي حماية أمن الدولة المغتصبة والحفاظ على قدرتها وتفوقها.

لقد استجدت عوامل كثيرة ضربت هذا النموذج، فالكيان الصهيوني، وبفضل مقاومة الشعوب العربية، ومنها بشكل خاص الشعب اللبناني والشعب الفلسطيني، أصبح بحاجة لحماية، وفقد دوره كرأس حربة لحماية المشروع الأم… ومن جهة أخرى أصبحت الأنظمة الرسمية بمعظمها عبئاً على هذا المشروع، ومن جهة ثالثة تمت اكتشافات جديدة لمصادر الثروة العربية ولم يعد النفط والغاز حكراً على الخليج، فالعراق وسوريا ولبنان وفلسطين وصولاً إلى السودان مراكز أساسية كامنة لهذه الثروة.

في هذا الإطار، تأتي تطورات العراق. أميركا وبدعم من السعودية وأغنياء الخليج، أوجدوا «القاعدة»… «أم داعش»، ومن ثم حملوا راية مواجهتها في أفغانستان، ومن ثم عادوا إلى تلميع دورها في سوريا على مدى سنوات ثلاث… واليوم في العراق.

وحكماً استفادوا في ذلك من حكم عراقي، استكمل مهام النظام السابق في جعل العراق فريسة «الدواعش»، وكرس التمييز المذهبي والطائفي والقومي وفاقم الفساد وضياع الوحدة الوطنية وجعل العراق فريسة التحاصص الخارجي الأميركي – السعودي من جهة، والإيراني من جهة أخرى.

نعم، المهمة الرئيسية اليوم أمام العراقيين هي منع تقسيم العراق وبالتالي التصدي للإرهاب والتخلف المتمثل في «داعش». هذا التصدي لا يكون بـ«دواعش» أخرى، بل بقيام جبهة وطنية عراقية، تلفظ المكونات «الداعشية» وتضع برنامجا ديموقراطيا، أساسه احترام التنوع العراقي في ظل وحدة العراق، وفي ظل حكم مدني ديموقراطي، يعيد للعراق سيادته ودوره في العالم العربي.

عدا ذلك، لن تنفع «بهورات» الميليشيات المستنفرة على أساس ديني، وإدعاءات الحكومة العراقية إلا في وضع العراق مجدداً في براثن الاحتلال الأميركي ومشروعه.

& & &

أما لبنان، فنظامه الذي اعتاد أن يعتاش كما «اليتيم على مائدة اللئام» فهو اليوم بات يتيماً، و«مائدة اللئام» بعيدة عنه.

ولذلك، فإن دوامة الفراغ الموجودة منذ مسرحية استقلاله الأول والمسماة بالنظام الطائفي وبالصيغة اللبنانية، تمنع قوى هذا النظام من إيجاد حل لمأزقهم ولأزمتهم.

وبعد فراغ الرئاسة، نحن اليوم على بُعد شهرَين من الفراغ النيابي في ظل حكومة، مفرغة من داخلها ومحفوظ لها دور ـ ديكور لبقاء شبح الدولة.

وطبعاً يتفق معظمهم على تحميل الفقراء نتائج هذه الحالة، فيتعاطون بمافيوية سخيفة، مع مطالب هيئة التنسيق النقابية، ويسرقون المال العام من «الدالية» الى حقوق مئات الآلاف من المستأجرين.

نختصر لنقول إن القوى الديموقراطية في لبنان، أمام معركة كبيرة هي «معركة الوطن». أمام ضرورة استحضار روح المقاومة في وجه اسرائيل، الى مقاومة النظام اللبناني المهدد بضرب أسس الوطن والدولة، فالأهم من رئيس الدولة هو الدولة نفسها، وجمع الطوائف لا يبني دولة بل يهددها، لأنه في قلب الطائفية تنمو «الداعشية» إلى أي دين ومذهب انتمت، والمرحلة الأكثر حساسية تطل وهي الفراغ النيابي، فالتمديد لن يعطي شرعية لمجلس مترهل، وأية انتخابات على قاعدة «قانون الستين»، ستنتج من جديد عوامل الأزمة والحروب والفراغ.

وحدها روح «هيئة التنسيق»، تتمدد باتجاه حركة نقابية وشعبية ديموقراطية مستقلة، قادرة على تطوير الحالة الديموقراطية من أجل التغيير.

(&) الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني