هل من حقوق مجلس النواب متابعة ممارسة صلاحياته التشريعية، وبالتالي استكمال درس مشروع سلسلة الرتب والرواتب غداً بعد انتهاء الأيام العشرة التي سبقت نهاية ولاية رئيس الجمهورية السابق العماد ميشال سليمان وتعذر انتخاب البديل؟
منذ الجلسة الأولى التي كان رئيس المجلس نبيه بري في 23 نيسان الماضي قد دعا إليها لانتخاب الرئيس الجديد، ظهر «حدس» عند بعض الكتل النيابية التي حذّرت من الوصول إلى تعذّر انتخاب الرئيس، مشيرة إلى ان من انعكاسات ذلك ان مجلس النواب لن يستطيع ممارسة صلاحياته التشريعية عند بدء الأيام العشرة التي تسبق انتهاء ولاية الرئيس، حتى ان بعضهم توسع بالاجتهاد عندما اعتبر ان تعليق صلاحيات المجلس تلك تبدأ منذ جلسة 23 نيسان.
فكيف تمكن قراءة ذلك دستورياً بعيداً عن ضغط السلسلة؟
الجدير ذكره أولاً أن متابعة درس سلسلة الرواتب بعد نهاية شهر أيار يتطلب فتح دورة استثنائية لمجلس النواب لأن الدورة العادية الأولى تكون قد انتهت. وعندما صدر مرسوم فتح الدورة الاستثنائية في نهاية عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، فإن ذلك بمثابة اعتراف صريح من السلطة الإجرائية (رئيس الجمهورية ومجلس الوزراء) بحق المجلس في التشريع، أما بالنسبة لانتخاب رئيس الجمهورية فلن يتأثر بفتح الدورة باعتبار ان المادة 74 ـ دستور تتيح، لا بل تفرض، عقد جلسة للانتخاب حتى من دون دعوة، وبحكم القانون.
أما في المقاربات الدستورية التي يستند إليها القول ان المجلس لا يتمكن من ممارسة صلاحياته التشريعية في حال «خلو سدة الرئاسة» فيمكن القول ان صلاحيات السلطات الدستورية، بما فيها رئاسة الجمهورية، تكون محددة كما في المادة 16 ـ دستور بنصها على ان «تتولى السلطة المشترعة هيئة واحدة هي مجلس النواب». أو المادة 17 ـ دستور بنصها على أن تناط السلطة الإجرائية بمجلس الوزراء… وفي المبادئ ان أي خروج أو خرق لشمولية الصلاحيات تلك أو غيرها يفترض وجوباً نصاً صريحاً ومحدداً كما في المادة 31 ـ دستور بنصها على ان «كل اجتماع يعقده المجلس في غير المواعيد القانونية يعد باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون». ولهذا فلو كان في نية المشترع تعليق صلاحيات مجلس النواب التشريعية في حال وجود سدة الرئاسة خالية، لما كان قد خجل من خرق شمولية ممارسة المجلس لتلك الصلاحيات بإضافة نص مانع. وهنا لا يمكن الاستناد في المنع إلى مواثيق وصيغ وغيرها من مبادئ وطنية، لأن نصوص الدستور وضعت بحد ذاتها لترجمة تلك المواثيق ووضع حدود وآفاق الاستناد إليها وتوضيح تفاصيلها.
ولعل المفارقة الأهم تلك الرابطة بين المادة 73 ـ دستور بنصها «على ان المجلس يجتمع حكماً في اليوم العاشر الذي يسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية لانتخاب رئيس الجمهورية إذا كان رئيس المجلس لم يدع لجلسة الانتخاب». والإشكالية في قراءة هذا النص ومقاربته مع المادة 75 عندما قال المجتهدون بتعطيل صلاحيات المجلس بأن ما جاء في المادة 75 لجهة «اعتبار المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية هيئة انتخابية لا هيئة تشريعية، وسيرتب عليه الشروع حالاً في انتخاب الرئيس ومناقشته قبل أي عمل آخر». وما غفل عنه هؤلاء ان المادة 75 لا تنطبق أحكامها حصراً على المادة 73 المشار إليها سابقاً، فهي تنطبق أيضاً على المادة 74 المعنية بإجراء انتخاب الرئيس عند توافر حالة محددة غير مشمولة بالمادة 73. وبهذه العمومية يصبح مفهوم المادة 75 عاماً لا يمكن الاستنتاج منه وجود تأثير على اليوم العاشر، أو حتى على الستين يوماً التي تسبق انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، إلا في حال التئام جلسة الانتخاب، وعندها لا يمكن القول أيضاً بتعطيل صلاحيات المجلس التشريعية أو غيرها، إنما يكون على المجلس ملزماً بإجراء عملية الانتخاب «قبل أي عمل آخر».
يبقى السؤال: لماذا وضعت المادة 62 ـ دستور التي توكل لمجلس الوزراء تولي صلاحيات الرئاسة في حال خلوها؟ هل إذا حل مجلس النواب أو انتهت ولايته من دون إجراء انتخاب تتعطل ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية والحكومة؟ انها مجرد عينة من مجموعة أسئلة يمكن الاجابة عنها عندما نعرف لأي شعب وضع الدستور اللبناني وفي أي عصر كان ذلك؟!