IMLebanon

ماذا تريد “داعش” من بوابة عرسال هذه المرة؟

حصل ما كان احتمالاً ووقعت خلال الساعات القليلة الماضية معركة عرسال – 2، مما فتح الباب أمام واقع ميداني – سياسي جديد مشرّع على احتمالات شتى في مقدمها أن لبنان صار في عين العاصفة “الداعشية” مباشرة هذه المرة.

أقر بعض الرسميين الذين اعتادوا تقليل أهمية الحدث في عرسال، بأن هناك الآلاف من المسلحين الذين دُفع بهم الى جرود عرسال، وسرت قبل ذلك معلومات ذات طابع رسمي جوهرها أنه ليس دقيقاً الكلام القائل بأن عرسال بمنأى عن هيمنة المسلحين، بدليل أن شهود عيان رأوا تكراراً مجموعات مسلحة تدخل البلدة وتخرج منها بعد أن تفعل ما تريد. وبالأمس استكمل المسلحون فصول المعركة التي فتحوها قبل نحو ثلاثة أسابيع في البلدة التي دفع بها لأن تؤدي دوراً بارزاً ووظيفة مكلفة منذ أن اشتعل فتيل الأحداث في الساحة السورية قبل أكثر من 3 أعوام، فأثبتوا بالملموس ما سبق أن تخوّف منه البعض وهو أنهم ما دخلوا البلدة ليغادروها بل غزوها لأن لديهم أطماعاً تندرج تحت أجندة سياسية متدحرجة منذ أن تمدد تنظيم “داعش” في العراق ومن ثم في سوريا في منتصف حزيران الماضي.

ولا شك في أن الحدث العرسالي المتجدد أعاد الاعتبار والأضواء مجدداً الى تساؤلات وعلامات استفهام طرحت في المعركة الأولى بحثاً عن أسرار منطقة ظل يكتنفها الغموض والعتمة المحيّرة. لم يعد خافياً أن في أوساط سياسية في بيروت تكتمل حلقات رؤية سوداوية لمستقبل الوضع والمعادلة في ضوء أحداث عرسال، لا سيما بعدما تكررت على نحو يوحي بجلاء أنها صارت بمثابة جرح نازف جاهز وغب الطلب، وتحت العنوان العريض لهذه الرؤية تندرج جملة معطيات وتساؤلات تفصيلية أبرزها:

– انه منذ البداية لم يكن أحد يطالب بتدمير عرسال أو جرّها الى المقصلة، كما فسّر البعض، بل كان مطلوباً حماية الجيش وتأمين غطاء سياسي واضح له، وخصوصاً عندما قررت قيادة الجيش التصدي لتعديات المجموعات المسلحة التي ازدادت وتيرة وصلافة، وما حصل وفق أصحاب هذه الرؤية، أن فرصة سد الطريق أمام المسلحين وبالتالي تلقينهم درساً يمنعهم من أسر عرسال وجرودها، قد تبدّدت بفعل ثلاثة معطيات:

الأول: أداء رسمي خاطئ مع المعطيات والواقع الناشئ للتو في الميدان العرسالي.

الثاني: استبشار ضمني من البعض من التمدد “الداعشي” السريع في أكثر من مكان، خصوصاً مع انتشار معلومات غربية تشير الى أن “داعش” باتت تسيطر على مساحة 320 ألف كيلومتر مربع في العراق وسوريا يقطنها نحو 10 ملايين نسمة.

الثالث: مقاربة مسألة العسكريين الأسرى على أساس أنهم ليسوا أسرى لجيش يواجه عدواً مدججاً يشكل خطراً داهماً على أمن البلاد، بل على أساس أنهم مخطوفون على يد مجموعة بالإمكان فتح بازار مقايضة معها على غرار ما حدث مع مخطوفي إعزاز الذين كانوا مدنيين عابرين في بلاد أخرى قصية.

في المعطى الأول، ثمة من يرى أن العلة الأساس كانت في فك الحصار الذي كان مضروباً فعلياً على المسلحين الذين غزوا عرسال وفتح ثغرة سمحت لهم بالخروج من البلدة ومعهم الأسرى العسكريون، أي مادة الابتزاز الأساسية للسلطات اللبنانية. وعلى رغم مضي نحو ثلاثة أسابيع على هذا الحدث المدوّي، ثمة من ما برح يسأل عن سر هذا الأمر المفاجئ الذي بدّل سير الاوضاع وفتح الأبواب الموصدة للمسلحين الغزاة ومعهم الغنيمة الكبرى من دون ضمانات تحول دون عودتهم للاعتداء على مواقع الجيش ودورياته او العودة الى البلدة نفسها.

في الأعوام الثلاثة الماضية سرى انطباع لدى فريق 8 آذار فحواه أن ثمة ضغوطاً قوية جداً مورست على لبنان ليؤدي دور الجبهة الخلفية الداعمة للمجموعات السورية المناهضة للنظام، لذا تم التغاضي عن كثير من الأمور بينها عدم تنفيذ خطة غايتها ضبط تام للحدود اللبنانية مع سوريا على نحو يعطي مفعولاً عملياً لشعار النأي بلبنان. حينذاك ضاعت الأصوات التي اعترضت أو حذّرت من أن يكون هذا الواقع فاتحة لتداعيات سلبية متدحرجة تضع لبنان فوق صفيح الاحتمالات الحارة، إذ أن الكل كان مقيماً على اعتقاد بأن أيام النظام السوري معدودة وأن ثمة مرحلة جديدة ترتسم معالمها في الأفق ستطيح بكل السائرين في ركاب النظام في سوريا. أما الآن فهناك حديث متعاظم عن معطيات ووقائع ميدانية جديدة في الساحة السورية عنوانها العريض إعطاء فرصة لـ”داعش” لتحقيق ما عجز عنه أسلافها من المجموعات المعارضة وهو العمل على إسقاط النظام السوري من خلال انهاك جيشه في مناطق شتى والسيطرة على المحافظات الشرقية الثلاث كمقدمة لما يلي. واستطراداً، ثمة رهان لدى محور غربي – عربي جوهره أن “داعش” التي أسقطت بضربتها في الموصل رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي هي نفسها من سينجح في إسقاط النظام السوري، أو أن تجبر حلفاء هذا النظام على المساهمة في تغييره على غرار ما حصل في العراق. هي إذاً لعبة عسكرية – سياسية جديدة تقودها هذه المرة “داعش” الصاعدة بسرعة صاروخية والمطلوب اعطاؤها فرصتها القصوى. ولهذا الأمر تداعياته وتبعاته وأثمانه على الساحة اللبنانية، لذا ثمة من يتخوّف أن يسمح لهذا التنظيم بنقاط ارتكاز فيها خصوصاً أن هذه الساحة نُظر إليها دوماً على أنها استتباع للساحة السورية. وعليه لم يكن وزير الداخلية نهاد المشنوق مخطئاً عندما أطلق تحذيره من أن الخطر على لبنان سيكون متعاظماً كلما تقدمت “داعش” في الميدان السوري.