رسالة وانزعاج.. ثم لقاء فاستيضاح
ماذا قال بري لعون عن الترشيح والحريري والتعطيل؟
حين زار الرئيس نبيه بري القاهرة، للمشاركة في حفل تنصيب عبد الفتاح السيسي رئيساً لمصر، تجنب أن يبادر، من تلقاء نفسه، الى مناقشة أي من الرؤساء والملوك وكبار المسؤولين المدعوين في الاستحقاق الرئاسي اللبناني. اكتفى بري بإجابات عامة على الأسئلة التي وُجهت إليه حول مصير انتخابات رئاسة الجمهورية، لا سيما من ولي العهد السعودي، مفضلا – باعتباره أحد أبرز الطهاة – ان يُبقي هذا الملف ضمن “المطبخ الداخلي”، قدر الإمكان، أو أقله أن يتفادى هو شخصياً المساهمة في إخراجه من دائرة “اللبننة”.
وعلى قاعدة هذا “الطموح”، أراد بري ان يرمي على طريقته حجراً في مياه الملف الرئاسي الراكدة، لعله يحركها بعض الشيء، فلمعت في رأسه فكرة تحقق الغرض. وعليه، أرسل رئيس المجلس وراء أمين سر “تكتل التغيير والإصلاح” النائب ابراهيم كنعان، طالباً منه نقل رسالة سياسية الى العماد ميشال عون.
وبالفعل، زار كنعان عين التينة، حيث كان بري قد رتب أفكاره جيداً، وتوجه الى ضيفه قائلا: “يا إبراهيم.. أريدك أن تقول للجنرال إنني أدعمه للوصول الى رئاسة الجمهورية، خلافاً لما يحاول البعض أن يوحي به.. ربما لست حليفه، لكنني حليف حليفه. ثم إن العداء لإسرائيل يجمعنا، وهذا موقف مبدئي مشترك يشكل مساحة واسعة للالتقاء، برغم وجود نقاط تباين بيننا حول بعض النقاط الداخلية”.
وأضاف بري مخاطباً كنعان: “أنا أقدّر كثيراً موقف الجنرال من المقاومة، وهذا دَيْنٌ علينا.. وبالتالي فأنا مستعد للتصويت له مرة أولى وثانية وعاشرة، ما دام يعتبر نفسه مرشحاً الى الرئاسة، وهذا موقف نابع من قناعة شخصية لدي..”.
لكن الجزء الأهم من رسالة بري الى عون كان يكمن في ما سيأتي. استوى رئيس المجلس في مقعده، وقال لكنعان: “متى ارتأى الجنرال أن فرصة انتخابه لرئاسة الجمهورية أصبحت مستحيلة وقرر أن ينتقل من موقع المرشح الأساسي الى موقع الناخب الأساسي، فأنا مستعد أيضاً لتأييد أي اسم يقترحه للرئاسة”.
غادر كنعان الى الرابية حاملاً الرسالة الى عون، ولعله كان يفترض أن مضمونها الإجمالي إيجابي، كون رئيس المجلس قد حسم خياره بتأييد الجنرال. إلا أن ما حصل، هو ان عون لم يبدُ مرتاحاً الى ما قرأه بين سطور الموقف المنقول إليه، لا سيما في الجزء الثاني منه والمتعلق بتأييد المرشح الذي يطرحه عون – الناخب، لشعوره بأن هذا الطرح يعكس، في جوهره، عدم قناعة بري به، كمرشح أصيل وأول للرئاسة.
سافر بري إلى إيطاليا في زيارة خاصة لحضور عرس، تلبية لدعوة أحد الأصدقاء. ولدى عودته الى بيروت، تبين له ان عون اتصل به، أثناء غيابه.
بادر بري الى الاتصال بالجنرال الذي طلب موعداً للقائه، فسأله رئيس المجلس: “من سيأتي معك؟”، أجابه عون: إيلي الفرزلي.
رد بري: أهلا وسهلا بكما.. أنا انتظركما.
وبالفعل، حصل اللقاء بين الرجلين في عين التينة، بحضور الفرزلي. كان بري يرجح وجود انزعاج لدى عون من بعض ما تضمنته الرسالة الشفهية التي أبلغه إياها، ولذلك حاول طمأنته الى حقيقة نياته، قائلا له: “جنرال.. بصراحة، أنا لست مقتنعاً بأن الغزل بينك وبين سعد الحريري سينتهي الى زواج رئاسي.. من ناحيتي أتمنى ذلك، ولكن لا أعتقد أن الحريري سيدعم، في نهاية المطاف، انتخابك لرئاسة الجمهورية”.
وتابع بري متوجهاً إلى عون: “كن على ثقة في انني أشجع الانفتاح المتبادل بينك وبين الحريري، لأنه ضروري لتحصين الاستقرار الداخلي ويترك آثاراً إيجابية على أكثر من صعيد. بل أكثر من ذلك، أنا أدعوك الى توسيع مروحة الانفتاح لتشمل وليد جنبلاط وحتى سمير جعجع، وغيرهما، حتى يتحقق أكبر توافق ممكن حولك، لكن ما قصدته انني لا أتوقع ان يؤدي الحوار مع الحريري الى نتيجة رئاسية”.
وأضاف مخاطباً عون: “في كل الحالات، لا أستطيع أن أقول لك توقف، خصوصاً أنني لا أملك كل المعطيات التي تستند اليها، وأنت وحدك تقرر ما إذا كان يتوجب عليك الاستمرار في المحاولة أم لا، لكن في الوقت ذاته يجب عدم تعطيل مجلسي النواب والوزراء. وأنا أريد أن أسألك، عملا بمعادلة التشريع للضرورة التي وضعتها أنت: هل سلسلة الرتب والرواتب ضرورية أم لا؟.. هل قانون الانتخاب ضروري أم لا؟.. هل الموازنة بعد عقد من الانقطاع ضرورية ام لا؟.. هل تسديد التزامات لبنان المالية ضروري أم لا؟..”.
.. وقبل ان ينتهي الاجتماع، فاجأ عون رئيس المجلس بطرح لرئاسة الجمهورية، من خارج النص، إذ قال له: “أعتقد أنه حان الوقت لانتخاب رئيس من الشعب مباشرة”.
رد بري: “أخشى من أن تتحسس بعض القوى المسيحية من هذا الاقتراح، لأن هناك من سيجد فيه إعطاء المسلمين الأرجحية في اختيار الرئيس”.
كان عون قد احتفظ بالنصف الآخر من ورقته، للرد على مثل هذا الاحتمال، فأجاب بسرعة: “دولة الرئيس، يمكن إجراء الانتخاب في مرحلة أولى تأهيلية على مستوى المسيحيين فقط، والمرشحان اللذان ينالان النسبة الأكبر من الأصوات، ينتقلان الى المنافسة على مستوى كل الشعب اللبناني”.
اكتفى بري بالصمت، تاركاً النقاش في شأن هذه المسألة معلقاً. بالنسبة إليه، كان يكفي لإثبات جدوى الزيارة، أقله في المدى القريب، ان عون قرر بعد أيام من اللقاء المشاركة في الجلسة النيابية العامة المخصصة لسلسلة الرتب والرواتب.
مرة أخرى، شعر بري انه يمكن الوصول من خلال الحوار المباشر مع الجنرال والمعزول عن التأثيرات الجانبية، الى قواسم مشتركة، “خصوصاً أن التجربة أكدت انه لا يتردد في الأخذ بأي فكرة، متى اقتنع بها ووجد أنها منطقية..”.