تجاوز «حزب الله» في عدائه لمؤسسات الدولة اللبنانية كلّ حدود. وصل تجاوز الحدود بالأمين العام للحزب السيّد حسن نصرالله إلى إعلان أنّه الذي يحمي رئيس الجمهورية والدولة اللبنانية. كرّس نصرالله لبنان تابعا للحزب الذي ليس في واقع الحال سوى لواء في «الحرس الثوري» الإيراني.
عمليا، أكّد «حزب الله» بما لا يقبل الشكّ أن لا مجال لأيّ تغيير في مواقفه. لبنان، بالنسبة إليه، ليس سوى «ساحة». لم يعد الحزب يجد عيبا في رفع صور رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي في بيروت لمجرّد أنه مرضي عنه في طهران!
ماذا يفعل نوري المالكي عبر صوره في بيروت؟ من المفيد التذكير بأن الرجل هو رئيس الوزراء العراقي الذي تقدّم حزبه في الإنتخابات النيابية الأخيرة ولكن ليس بما يكفي لتشكيل أكثرية تسمح بتشكيل حكومة برئاسته. سيكون المالكي، الذي أعادته إلى العراق دبابة أميركية في العام 2003، في حاجة إلى ايران كي يتمكّن من الحصول على ولاية ثالثة وتشكيل حكومة. ايران تسيطر على العراق وعلى اللعبة السياسية فيه. هذا لا يعني في أيّ شكل أن ازاحة صدّم حسين ونظامه البعثي العائلي لم يكن عملا مشروعا. لكنّ هناك فارقا بين ازاحته، التي كانت أكثر من ضرورية من جهة وتسليم العراق على صحن من فضّة إلى ايران من جهة أخرى.
يشكّل الظهور المفاجئ لصور المالكي في بيروت، في هذا التوقيت بالذات وعلى الطريق المؤدي إلى مطار رفيق الحريري، رسالة واضحة. فحوى الرسالة أن ايران هي التي تختار من سيكون رئيسا للبنان، تماما مثل اختيارها من يكون رئيس الوزراء في العراق. فحوى الرسالة أيضا أنّ لا وجود سياسيا قويّا للمالكي في العراق من دون ايران. كذلك، لن يكون هناك رئيس للجمهورية في لبنان من دون ايران…لا يزال باكرا مجرّد الحلم برئيس من صنع لبنان، ما دام الحزب المذهبي المسلح التابع لإيران يعترض على ذلك، ولا يقبل سوى برئيس خاضع لسلاحه وتوجّهاته المذهبية التي يغطيها بكلمة «المقاومة».
قال الأمين العام للحزب بكلّ بساطة أن ايران تحكم لبنان. حوّل الحزب اللبناني، اسما، وهو حزب تابع مئة في المئة لإيران، الدولة اللبنانية إلى مجرّد تابع لإيران لا أكثر. هل يمكن للبنانيين القبول بذلك بكلّ سهولة وبساطة؟
لا شكّ أنّ لبنان يقاوم. هناك مقاومة حقيقية في لبنان لحزب يطمح إلى الغاء الدولة اللبنانية. هناك في لبنان أكثرية تسعى إلى المحافظة على ما بقي من الدولة اللبنانية. هذه الأكثرية تعترف بما قدّمه الرئيس ميشال سليمان للبنان واللبنانيين، وهي تعرف خصوصا أن الرئيس اللبناني الذي انتهت ولايته قبل أيّام، مقاوم حقيقي، وليس مقاوما على طريقة «حزب الله» الذي يرفع في بيروت صور رئيس الوزراء العراقي من أجل تأكيد أن لبنان تابع آخر لإيران. ربّما أراد «حزب الله» برفعه الصور توجيه رسالة إلى اللبنانيين بأن اللعبة انتهت وأن عليهم الرضوخ لأمر واقع يتمثّل في أن رئاسة الجمهورية ليست للموارنة، بل هي للماروني الذي يقبل أن يكون أداة ايرانية ولا شيء غير ذلك.
هل انتهت اللعبة السياسية فعلا في لبنان كي يسمح «حزب الله» لنفسه بالربط بين العراق ولبنان ولوضع رئيس الجمهورية، الذي لم ينتخب بعد، في حمايته؟
الجواب، أن الحزب سيكون قادرا، إلى اشعار آخر على منع النوّاب اللبنانيين من انتخاب رئيس جديد للجمهورية. يستطيع ذلك نظرا الى ارتكاب رئيس مجلس النوّاب نبيه برّي نظرية جديدة في شأن الأكثرية التي يجب توافرها في كلّ جلسة تعقد من أجل انتخاب الرئيس العتيد. هذه النظرية مخالفة لكلّ منطق ومخالفة في الوقت ذاته للدستور اللبناني ما دامت أكثرية الثلثين توافرت في الجلسة الأولى وصار في استطاعة النوّاب انتخاب رئيس باكثرية النصف زائد صوت واحد في الجلسات اللاحقة.
هذا ما يقوله المنطق وهذا ما يقوله الدستور. ولكن ما العمل عندما يكون هناك نائب مسيحي مثل ميشال عون يحرّكه «حزب الله» بالريموت كونترول؟ وما العمل عندما يكون على اللبنانيين أن يأخذوا في الإعتبار وجود سلاح حزبي ومذهبي موجّه إلى صدورهم العارية؟
هل على اللبنانيين الإستسلام لـ»حزب الله»، أي لإيران، هل بات عليهم التعلّم من التجربة العراقية وأخذ دروس منها، نظرا إلى أن في العراق رئيسا للوزراء اختارته ايران وهو موافق على تلبية كلّ مطالبها؟ على رأس هذه المطالب المشاركة بطريقة أو بأخرى في الحرب التي يشنّها النظام السوري على شعبه من منطلق طائفي ومذهبي أوّلا وأخيرا.
إلى الآن، أثبت اللبنانيون أنّهم ليسوا لقمة سائغة وأن شعارات من نوع «الممانعة» و»المقاومة» لا تنطلي عليهم. يعرف اللبنانيون أنّ هذه الشعارات لا معنى لها. يعرف اللبنانيون أنّ ايران كانت شريكا فاعلا في الحرب الأميركية على العراق، وأن الذين يحكمون العراق حاليا ما كانوا وصلوا إلي بغداد لولا الدبابة الأميركية…التي يهاجمها «حزب الله» ليلا نهارا!
سيهدّد «حزب الله» اللبنانيين، خصوصا المسيحيين منهم، بالفراغ طويلا. سيهدّدهم بما يسمّى «المؤتمر التأسيسي» الذي يستهدف من وجهة نظره احلال المثالثة بين السنّة والشيعة والمسيحيين مكان المناصفة بين المسيحيين والمسلمين وذلك كي ينتخب النوّاب رئيسا جديدا يكون إلعوبة في يد الحزب ومن خلفه ايران.
ما ينساه «حزب الله» ويتجاهله في سياق الحملة التي يشنّها على لبنان واللبنانيين أنّ اللبنانيين لم يخرجوا القوّات السورية في لبنان من أجل احلال ميليشيا «حزب الله» مكانها. تستطيع هذه الميليشيا لعب دور الوصيّ على البلد لفترة معيّنة. تستطيع رفض تسليم المتّهمين باغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه. ولكن من كان يصدّق أنّ المحكمة الدولية ستبصر النور يوما؟
لو كان «حزب الله» قادرا على السيطرة على لبنان بالطريقة التي تحلم بها ايران، لما كانت حكومة «حزب الله» برئاسة نجيب ميقاتي استقالت، ولما كان صدر، قبل ذلك، القرار الرقم 1701 عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. من يبني انتصاراته على أوهام، يستطيع تخيّل أن الدويلة اللبنانية صارت في جيب ايران وأن سوريا سقطت فعلا تحت الهيمنة الإيرانية. سقط النظام السوري، الساقط أصلا، تحت الهيمنة الإيرانية، لكنّ سوريا لم تسقط.
سقط العراق إلى حين. في المدى الطويل لا يمكن للعراق إلّا أن يستعيد بعضا من حرّيته. لبنان لم يسقط ولن يسقط. الدليل أن ميشال سليمان تحوّل رمزا للمقاومة. تحوّل رمزا للمقاومة الحقيقية التي لا تفتخر برفع صور من وصل إلى السلطة في بغداد على دبابة أميركية…